الأرض تارة ، وعلى السرير تارة بين رماله ، وتارة على كساء أسود» ..
وأحاديثه التي تحض على اليسر والسماحة والرفق في تناول الأمور ـ وفي أولها أمر العقيدة وتكاليفها ـ كثيرة جدا يصعب تقصيها. من هذا قوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» (أخرجه البخاري) .. «لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم ...» (أخرجه أبو داود) .. «إن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» (أخرجه البخاري) .. «يسروا ولا تعسروا» (أخرجه الشيخان).
وفي التعامل : «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» (أخرجه البخاري) «المؤمن هين لين» (أخرجه البيهقي) «المؤمن يألف ويؤلف» (أخرجه الدارقطني). «إن أبغض الرجال إلى الله الألدّ الخصم» (أخرجه الشيخان).
ومن اللمحات العميقة الدلالة كراهيته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ للعسر والصعوبة حتى في الأسماء وسمات الوجوه ، مما يوحي بحقيقة فطرته وصنع ربه بها وتيسيره لليسرى انطباعا وتكوينا .. عن سعيد بن المسيب عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ أنه جاء للنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : ما اسمك؟ قال : حزن (أي صعب وعر) قال : بل أنت سهل. قال : لا أغير اسما سمانيه أبي! قال ابن المسيب رحمهالله : «فما زالت فينا حزونة بعد»! (أخرجه البخاري) .. «وعن ابن عمر رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ غير اسم عاصية وسماها جميلة» (أخرجه مسلم). ومن قوله : «إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق» (أخرجه الترمذي) ..
فهو الحس المرهف الذي يلمح الوعورة والشدة حتى في الأسماء والملامح فينفر منها ، ويميل بها إلى اليسر والهوادة!
وسيرة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ كلها صفحات من السماحة واليسر والهوادة واللين والتوفيق إلى اليسر في تناول الأمور جميعا.
وهذا مثل من علاجه للنفوس ، يكشف عن طريقته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وطبيعته :
«جاءه أعرابي يوما يطلب منه شيئا فأعطاه. قال له : أحسنت إليك؟ قال الأعرابي : لا. ولا أجملت! فغضب المسلمون ، وقاموا إليه ؛ فأشار إليهم أن كفوا. ثم دخل منزله ، وأرسل إلى الأعرابي ، وزاده شيئا. ثم قال : أحسنت إليك؟ قال : نعم. فجزاك الله من أهل ومن عشيرة خيرا. فقال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إنك قلت ما قلت وفي نفس أصحابي شيء من ذلك ، فإذا أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك. قال : نعم. فلما كان الغداة جاء ، فقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : إن هذ الأعرابي قال ما قال ، فزدناه ، فزعم أنه رضي. أكذلك؟ فقال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا. فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة شردت عليه ، فتبعها الناس ، فلم يزيدوها إلا نفورا ، فناداهم صاحب الناقة : خلوا بيني وبين ناقتي ، فإني أرفق بها وأعلم. فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها ، فأخذ لها من قمام الأرض ، فردها هونا هونا ، حتى جاءت واستناخت ، وشد عليها رحلها ، واستوى عليها. وإني لو تركتم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار» ..
فهكذا كان أخذه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ للنفوس الشاردة. بهذه البساطة ، وبهذا اليسر ، وبهذا الرفق وبهذا التوفيق .. والنماذج شتى في سيرته كلها. وهي من التيسير لليسرى كما بشره ربه ووفقه في حياته وفي