وفي الربيع تستيقظ الجرثومة ، فتنفجر القشرة ، وتزدرد الطعام من اللب الشبيه بالبيضة الذي اختفت فيه «الجينات» (وحدات الوراثة) وهي تمد الجذور في الأرض ، وإذا بك ترى فرخا أو شتلة (شجيرة) وبعد سنوات شجرة! وإن الجرثومة بما فيها من جينات قد تضاعفت ملايين الملايين ، فصنعت الجذع والقشرة وكل ورقة وكل ثمرة ، مماثلة لتلك التي لشجرة البلوط التي تولدت عنها. وفي خلال مئات السنين قد بقي من ثمار البلوط التي لا تحصى نفس ترتيب الذرات تماما الذي أنتج أول شجرة بلوط منذ ملايين السنين (١)».
وفي فصل ثالث يقول :
«وكل خلية تنتج في أي مخلوق حي يجب أن تكيف نفسها لتكون جزءا من اللحم. أو أن تضحي بنفسها كجزء من الجلد الذي لا يلبث حتى يبلى. وعليها أن تصنع ميناء الأسنان ، وأن تنتج السائل الشفاف في العين ، أو أن تدخل في تكوين الأنف أو الأذن. ثم على كل خلية أن تكيف نفسها من حيث الشكل وكل خاصية أخرى لازمة لتأدية مهمتها. ومن العسير أن نتصور أن خلية ما هي ذات يد يمنى أو يسرى. ولكن إحدى الخلايا تصبح جزءا من الأذن اليمنى ، بينما الأخرى تصبح جزءا من الأذن اليسرى.
... «وإن مئات الآلاف من الخلايا تبدو كأنها مدفوعة لأن تفعل الشيء الصواب في الوقت الصواب. وفي المكان الصواب»!
وفي فصل رابع ..
... «في خليط الخلق قد أتيح لكثير من المخلوقات أن تبدي درجة عالية من أشكال معينة من الغريزة أو الذكاء أو ما لا ندري. فالدبور مثلا يصيد الجندب النطاط ، ويحفر حفرة في الأرض ، ويخز الجندب في المكان المناسب تماما حتى يفقد وعيه ، ولكنه يعيش كنوع من اللحم المحفوظ .. وأنثى الدبور تضع بيضا في المكان المناسب بالضبط ، ولعلها لا تدري أن صغارها حين تفقس يمكنها أن تتغذى ، دون أن تقتل الحشرة التي هي غذاؤها ، فيكون ذلك خطرا على وجودها. ولا بد أن الدبور قد فعل ذلك من البداية وكرره دائما ، وإلا ما بقيت زنابير على وجه الأرض .. والعلم لا يجد تفسيرا لهذه الظاهرة الخفية ، ولكنها مع ذلك لا يمكن أن تنسب إلى المصادفة!
«وإن أنثى الدبور تغطي حفرة في الأرض ، وترحل فرحا ، ثم تموت. فلا هي ولا أسلافها قد فكرت في هذه العملية ، وهي لا تعلم ما ذا يحدث لصغارها ، أو أن هناك شيئا يسمى صغارا .. بل إنها لا تدري أنها عاشت وعملت لحفظ نوعها!
... «وفي بعض أنواع النمل يأتي العملة منه بحبوب صغيرة لإطعام غيرها من النمل في خلال فصل الشتاء. وينشئ النمل ما هو معروف «بمخزن الطحن» وفيه يقوم النمل الذي أوتي أفكاكا كبيرة معدة للطحن ، بإعداد الطعام للمستعمرة. وهذا هو شاغلها الوحيد. وحين يأتي الخريف ، وتكون الحبوب كلها قد طحنت ، فإن «أعظم خير لأكبر عدد» يتطلب حفظ تلك المئونة من الطعام. وما دام الجيل الجديد سينتظم كثيرا من النمل الطحان ، فإن جنود النمل تقتل النمل الطاحن الموجود. ولعلها ترضي ضميرها الحشري بأن ذلك النمل قد نال جزاءه الكافي ، إذ كانت له الفرصة الأولى في الإفادة من الغذاء أثناء طحنه!
«وهناك أنواع من النمل تدفعها الغريزة أو التفكير (واختر منهما ما يحلو لك) إلى زرع أعشاش للطعام
__________________
(١) يراجع ما جاء عن رحلة النطفة الجنينية في سورة (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) ..