إلى الشاطئ الذي جاءت منه أمهاتها. ومن ثم إلى كل نهر أو بحيرة أو بركة صغيرة. ولذا يظل كل جسم من الماء آهلا بثعابين البحار. لقد قاومت التيارات القوية ، وثبتت للأمداد والعواصف ، وغالبت الأمواج المتلاطمة على كل شاطئ. وهي الآن يتاح لها النمو. حتى إذا اكتمل نموها دفعها قانون خفي إلى الرجوع حيث كانت بعد أن تتم الرحلة كلها. فمن أين ينشأ الحافز الذي يوجهها لذلك؟ لم يحدث قط أن صيد ثعبان ماء أمريكي في المياه الأوربية ، أو صيد ثعبان ماء أوربي في المياه الأمريكية. والطبيعة تبطئ في إنما ثعبان الماء الأوربي مدة سنة أو أكثر لتعوض من زيادة مسافة الرحلة التي يقطعها (إذ أن مسافته أطول من مسافة زميله الأمريكي) ترى هل الذرات والهباءات إذا توحدت معا في ثعبان ماء يكون لها حاسة التوجيه وقوة الإرادة اللازمة للتنفيذ؟!
... «وإذا حمل الريح فراشة أنثى من خلال نافذة إلى علية بيتك ، فإنها لا تلبث حتى ترسل إشارة خفية. وقد يكون الذكر على مسافة بعيدة. ولكنه يتلقى هذه الإشارة ويجاوبها ، مهما أحدثت أنت من رائحة بعملك لتضليلهما. ترى هل لتلك المخلوقة الضئيلة محطة إذاعة؟ وهل لذكر الفراشة جهاز راديو عقلي ، فضلا عن السلك اللاقط للصوت (إيريال)؟ أتراها تهز الأثير فهو يتلقى الاهتزاز؟! ...
«إن التليفون والراديو هما من العجائب الآلية. وهما يتيحان لنا الاتصال السريع. ولكنا مرتبطون في شأنهما بسلك ومكان. وعلى ذلك لا تزال الفراشة متفوقة علينا من هذه الوجهة».
«والنبات يتحايل على استخدام وكلاء لمواصلة وجوده دون رغبة من جانبهم! كالحشرات التي تحمل اللقح من زهرة إلى أخرى ، والرياح ، وكل شيء يطير أو يمشي ، ليوزع بذوره. وأخيرا أوقع النبات الإنسان ذا السيادة في الفخ! فقد حسن الطبيعة وجازته بسخاء. غير أنه شديد التكاثر ؛ حتى أصبح مقيدا بالمحراث ، وعليه أن يبذر ويحصد ويخزن ، وعليه أن يربي ويهجن ، وأن يشذب ويطعم. وإذا هو أغفل هذه الأعمال كانت المجاعة نصيبه ، وتدهورت المدنية ، وعادت الأرض إلى حالتها الفطرية!» ..
«وكثير من الحيوانات هي مثل «سرطان البحر» الذي إذا فقد مخلبا عرف أن جزءا من جسمه قد ضاع ، وسارع إلى تعويضه بإعادة تنشيط الخلايا وعوامل الوراثة ؛ ومتى تم ذلك كفت الخلايا عن العمل ، لأنها تعرف بطريقة ما أن وقت الراحة قد حان!
«وكثير الأرجل المائي إذا انقسم إلى قسمين استطاع أن يصلح نفسه عن طريق أحد هذين النصفين. وأنت إذا قطعت رأس دودة الطعم تسارع إلى صنع رأس بدلا منه. ونحن نستطيع أن ننشط التئام الجروح ، ولكن متى يتاح للجراحين أن يعرفوا كيف يحركون الخلايا لتنتج ذراعا جديدة ، أو لحما أو عظاما أو أظافر أو أعصابا؟ ـ إذا كان ذلك في حيز الإمكان؟!
«وهناك حقيقة مدهشة تلقي بعض الضوء على لغز هذا الخلق من جديد : فإن الخلايا في المراحل الأولى من تطورها ، إذا تفرقت ، صار لكل منها القدرة على خلق حيوان كامل. ومن ثم فإنه إذا انقسمت الخلية الأولى إلى قسمين ، وتفرق هذان ، تطور منهما فردان. وقد يكون في ذلك تفسير لتشابه التوأمين. ولكنه يدل على أكثر من ذلك. وهو أن كل خلية في البداءة يمكن أن تكون فردا كاملا بالتفصيل. فليس هناك شك إذن ، في أنك أنت ، في كل خلية ونسيج!» ..
ويقول في فصل آخر :
«إن جوزة البلوط تسقط على الأرض ، فتحفظها قشرتها السمراء الجامدة ، وتتدحرج في حفرة ما من الأرض ،