اللفظ. وأعمق أسبابا في تكوين الأرض ذاتها وفي تصميم الكون كله. وحين يأذن الله للناس في الأكل منه ، فهو يتفضل بتسخيره لهم وتيسير تناوله ؛ كما يمنح البشر القدرة على تناولها والانتفاع بها : (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) ..
وهو محدود بزمن مقدر في علم الله وتدبيره زمن الابتلاء بالموت والحياة ، وبكل ما يسخره الله للناس في هذه الحياة. فإذا انقضت فترة الابتلاء كان الموت وكان ما بعده :
(وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ..
إليه .. وإلّا فإلى أين إن لم يكن إليه؟ والملك بيده؟ ولا ملجأ منه إلا إليه؟ وهو على كل شيء قدير؟
* * *
والآن ـ وبينما هم في هذا الأمان على ظهر الأرض الذلول ، وفي هذا اليسر الفائض بإذن الله وأمره .. الآن يهز هذه الأرض الساكنة من تحت أقدامهم هزا ويرجها رجا فإذا هي تمور. ويثير الجو من حولهم فإذا هو حاصب يضرب الوجوه والصدور .. يهز هذه الأرض في حسهم ويثير هذا الحاصب في تصورهم ، لينتبهوا من غفلة الأمان والقرار ، ويمدوا بأبصارهم إلى السماء وإلى الغيب ، ويعلقوا قلوبهم بقدر الله :
(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ؟ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً؟ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ! وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ؟) ..
والبشر الذين يعيشون على ظهر هذه الدابة الذلول ، ويحلبونها فينالون من رزق الله فيها نصيبهم المعلوم! يعرفون كيف تتحول إلى دابة غير ذلول ولا حلوب ، في بعض الأحيان ، عند ما يأذن الله بأن تضطرب قليلا فيرتج كل شيء فوق ظهرها أو يتحطم! ويمور كل ما عليها ويضطرب فلا تمسكه قوة ولا حيلة. ذلك عند الزلازل والبراكين ، التي تكشف عن الوحش الجامح ، الكامن في الدابة الذلول ، التي يمسك الله بزمامها فلا تثور إلا بقدر ، ولا تجمح إلا ثواني معدودات يتحطم فيها كل ما شيد الإنسان على ظهرها ؛ أو يغوص في جوفها عند ما تفتح أحد أفواهها وتخسف كسفة منها .. وهي تمور .. البشر ولا يملكون من هذا الأمر شيئا ولا يستطيعون. وهم يبدون في هول الزلزال والبركان والخسف كالفئران الصغيرة محصورة في قفص الرعب ، من حيث كانت آمنة لاهية غافلة عن القدرة الكبرى الممسكة بالزمام!
والبشر كذلك يشهدون العواصف الجامحة الحاصبة التي تدمر وتخرب ، وتحرق وتصعق. وهم بإزائها ضعاف عاجزون ، بكل ما يعلمون وما يعملون. والعاصفة حين تزأر وتضرب بالحصى الحاصب ، وتأخذ في طريقها كل شيء في البر أو البحر أو الجو يقف الإنسان أمامها صغيرا هزيلا حسيرا حتى يأخذ الله بزمامها فتسلس وتلين! والقرآن يذكر البشر الذين يخدعهم سكون الدابة وسلامة مقادتها ، ويغريهم الأمان بنسيان خالقها ومروضها. يذكرهم بهذه الجمحات التي لا يملكون من أمرها شيئا. والأرض الثابتة تحت أقدامهم ترتج وتمور ، وتقذف بالحمم وتفور. والريح الرخاء من حولهم تتحول إلى إعصار حاصب لا تقف له قوة في الأرض من صنع البشر ، ولا تصده عن التدمير .. يحذرهم وينذرهم في تهديد يرج الأعصاب ويخلخل المفاصل.
(فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)!!!
ويضرب لهم الأمثلة من واقع البشرية ، ومن وقائع الغابرين المكذبين :
(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ؟) ..