تكونت منها ، وطبيعة تقسيم هذه العناصر بهذه النسب التي وجدت بها. ثم القدرة التي أودعها الله النبات والحيوان ـ ومنه الإنسان ـ على الانتفاع بهذه العناصر.
وفي اختصار نشير إلى أطراف من حقيقة الرزق بهذا المعنى :
«تعتمد حياة كل نبات كما هو معروف على المقادير التي تكاد تكون متناهية في الصغر من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء ، والتي يمكن القول بأنها تتنسمها. ولكي نوضح هذا التفاعل الكيماوي المركب المختص بالتركيب الضوئي بأبسط طريقة ممكنة نقول : «إن أوراق الشجر هي رئات ، وإن لها القدرة في ضوء الشمس على تجزئة ثاني أكسيد الكربون العنيد إلى كربون وأكسجين. وبتعبير آخر يلفظ الأكسجين ويحتفظ بالكربون متحدا مع هيدروجين الماء الذي يستمده النبات من جذوره (حيث يفصل الماء إلى هيدروجين وأكسجين). وبكيمياء سحرية تصنع الطبيعة من هذه العناصر سكرا أو سليلوزا ومواد كيمائية أخرى عديدة ، وفواكه وأزهارا. ويغذي النبات نفسه ، وينتج فائضا يكفي لتغذية كل حيوان على وجه الأرض. وفي الوقت نفسه يلفظ النبات الأكسجين الذي نتنسمه والذي بدونه تنتهي الحياة بعد خمس دقائق.
«وهكذا نجد أن جميع النباتات والغابات والأعشاب وكل قطعة من الطحلب ، وكل ما يتعلق بمياه الزرع ، تبني تكوينها من الكربون والماء على الأخص. والحيوانات تلفظ ثاني أكسيد الكربون ، بينما تلفظ النباتات الأكسجين. ولو كانت هذه المقايضة غير قائمة ، فإن الحياة الحيوانية أو النباتية كانت تستنفد في النهاية كل الأكسجين ، أو كل ثاني أكسيد الكربون تقريبا. ومتى انقلب التوازن تماما ذوى النبات أو مات الإنسان ، فيلحق به الآخر وشيكا. وقد اكتشف أخيرا أن وجود ثاني أكسيد الكربون بمقادير صغيرة هو أيضا ضروري لمعظم حياة الحيوان ، كما اكتشف أن النباتات تستخدم بعض الأكسجين.
«ويجب أن يضاف الهيدروجين أيضا ، وإن كنا لا نتنسمه. فبدون الهيدروجين كان الماء لا يوجد. ونسبة الماء من المادة الحيوانية أو النباتية هي كبيرة لدرجة تدعو إلى الدهشة ولا غنى عنه مطلقا» (١).
وهناك دور الأزوت أو النتروجين في رزق الأرض.
«وبدون النتروجين في شكل ما لا يمكن أن ينمو أي نبات من النباتات الغذائية. وإحدى الوسيلتين اللتين يدخل بها النتروجين في التربة الزراعية هي طريق نشاط جراثيم «بكتريا» معينة تسكن في جذور النباتات البقلية ، مثل البرسيم والحمص والبسلة والفول وكثير غيرها. وهذه الجراثيم تأخذ نتروجين الهواء وتحيله إلى نتروجين مركب قابل لأن يمتصه النبات وحين يموت النبات يبقى بعض هذا النتروجين المركب في الأرض.
«وهناك طريقة أخرى يدخل بها النتروجين إلى الأرض. وذلك عن طريق عواصف الرعد. وكلما ومض برق خلال الهواء ، وحد بين قدر قليل من الأكسجين وبين النتروجين ، فيسقطه المطر إلى الأرض كنتروجين مركب (٢)» (أي في الصورة التي يستطيع النبات امتصاصها لأنه لا يقدر على امتصاص النتروجين الخالص من الهواء ونسبته فيه حوالي ٧٨ خ كما أسلفنا).
والأرزاق المخبوءة في جوف الأرض من معادن جامدة وسائلة كلها ترجع إلى طبيعة تكوين الأرض والأحوال التي لابستها. ولا نطيل شرحها. فالرزق في ضوء هذه البيانات السريعة أوسع مدلولا مما يفهمه الناس من هذا
__________________
(١) كتاب : العلم يدعو للإيمان ترجمة محمود صالح الفلكي ص ٧٠ ـ ٧١.
(٢) المصدر نفسه ص ٧٦ ـ ٧٧.