الجائرة الظالمة ، تهاجم المعسكر الإسلامي من خارجه كما كان الكفار يصنعون. أو تهاجمه من داخله كما كان المنافقون يفعلون.
وتجمع الآية بين الكفار والمنافقين في الأمر بجهادهم والغلظة عليهم. لأن كلا من الفريقين يؤدي دورا مماثلا في تهديد المعسكر الإسلامي ، وتحطيمه أو تفتيته. فجهادهم هو الجهاد الواقي من النار. وجزاؤهم هو الغلظة عليهم من رسول الله والمؤمنين في الدنيا.
(وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) في الآخرة!
وهكذا تتناسق هذه الجولة فيما بين آياتها واتجاهاتها ؛ كما تتناسق بجملتها مع الجولة الأولى في السياق ..
* * *
ثم تجيء الجولة الثالثة والأخيرة. وكأنها التكملة المباشرة للجولة الأولى. إذ تتحدث عن نساء كافرات في بيوت أنبياء. ونساء مؤمنات في وسط كفار :
(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ، كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ ، فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً ، وَقِيلَ : ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ .. وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ ، إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ، وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ ، وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا ، وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ. وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) .. والمأثور في تفسير خيانة امرأة نوح وامرأة لوط ، أنها كانت خيانة في الدعوة ، وليست خيانة الفاحشة. امرأة نوح كانت تسخر منه مع الساخرين من قومه ؛ وامرأة لوط كانت تدل القوم على ضيوفه وهي تعلم شأنهم مع ضيوفه!
والمأثور كذلك عن امرأة فرعون أنها كانت مؤمنة في قصره ـ ولعلها كانت أسيوية من بقايا المؤمنين بدين سماوي قبل موسى. وقد ورد في التاريخ أن أم «أمنحوتب الرابع» الذي وحد الآلهة في مصر ورمز للإله الواحد بقرص الشمس ، وسمى نفسه «إخناتون» .. كانت أسيوية على دين غير دين المصريين .. والله أعلم إن كانت هي المقصودة في هذه السورة أم إنها امرأة فرعون موسى .. وهو غير «أمنحوتب» هذا ..
ولا يعنينا هنا التحقيق التاريخي لشخص امرأة فرعون. فالإشارة القرآنية تعني حقيقة دائمة مستقلة عن الأشخاص. والأشخاص مجرد أمثلة لهذه الحقيقة ..
إن مبدأ التبعة الفردية يراد إبرازه هنا ، بعد الأمر بوقاية النفس والأهل من النار. كما يراد أن يقال لأزواج النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأزواج المؤمنين كذلك : إن عليهن أنفسهن بعد كل شيء. فهن مسؤولات عن ذواتهن ، ولن يعفيهن من التبعة أنهن زوجات نبي أو صالح من المسلمين!
وها هي ذي امرأة نوح. وكذلك امرأة لوط. (كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) .. (فَخانَتاهُما) .. (فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً) .. (وَقِيلَ : ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) ..
فلا كرامة ولا شفاعة في أمر الكفر والإيمان. وأمر الخيانة في العقيدة حتى لأزواج الأنبياء!
وها هي ذي امرأة فرعون ، لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه .. في قصر فرعون .. عن طلب النجاة وحدها .. وقد تبرأت من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتا في الجنة. وتبرأت من صلتها بفرعون فسألت ربها النجاة منه. وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء وهي ألصق الناس به : (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ