فأما هنا فالرجل يتحاكم إلى تصور مجرد لا وجود له في دنيا الواقع. والمرأة تنوء تحت ثقل المجتمع الذي يعادي ذلك التصور عداء الجاهلية الجامح! وما من شك أن ضغط المجتمع وتقاليده على حس المرأة أضعاف ضغطه على حس الرجل!
وهنا يتضاعف واجب الرجل المؤمن. إن عليه أن يقي نفسه النار! ثم عليه أن يقي أهله وهم تحت هذا الضغط الساحق والجذب العنيف!
فينبغي له أن يدرك ثقل هذا الواجب ليبذل له من الجهد المباشر أضعاف ما كان يبذله أخوه في الجماعة المسلمة الأولى. ويتعين حينئذ على من يريد أن ينشئ بيتا أن يبحث أولا عن حارسة للقلعة ، تستمد تصورها من مصدر تصوره هو .. من الإسلام .. وسيضحي في هذا بأشياء : سيضحي بالالتماع الكاذب في المرآة. سيضحي بخضراء الدمن! سيضحي بالمظهر البراق للجيف الطافية على وجه المجتمع. ليبحث عن ذات الدين ، التي تعينه على بناء بيت مسلم ، وعلى إنشاء قلعة مسلمة! ويتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن وإليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر. وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) ؛ ونرجع الكرة ـ بهذه المناسبة ـ إلى طبيعة الإسلام التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة التي يهيمن عليها الإسلام ، والتي يتحقق فيها وجوده الواقعي. فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة. الإسلام عقيدتها ، والإسلام نظامها ، والإسلام شريعتها ، والإسلام منهجها الكامل الذي تستقي منه كل تصوراتها (١).
هذه الجماعة هي المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحمله إلى النفوس ، ويحميها من ضغط المجتمع الجاهلي ، كما يحميها من فتنة الإيذاء سواء.
ومن ثم تتبين أهمية الجماعة المسلمة التي تعيش فيها الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة ، محتمية بها من ضغط المجتمع الجاهلي حولها. فلا تتمزق مشاعرها بين مقتضيات تصورها الإسلامي وبين تقاليد المجتمع الجاهلي الضاغط الساحق. ويجد فيها الفتى المسلم شريكة في العش المسلم ، أو في القلعة المسلمة ، التي يتألف منها ومن نظيراتها المعسكر الإسلامي.
إنها ضرورة ـ وليست نافلة ـ أن تقوم جماعة مسلمة ، تتواصى بالإسلام ، وتحتضن فكرته وأخلاقه وآدابه وتصوراته كلها ، فتعيش بها فيما بينها ، وتعيش لها تحرسها وتحميها وتدعو إليها ، في صورة واقعية يراها من يدعون إليها من المجتمع الجاهلي الضال ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن الله. إلى أن يأذن الله بهيمنة الإسلام. حتى تنشأ الأجيال في ظله ، في حماية من الجاهلية الضاربة الأطناب ..
وفي سبيل حماية الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بمجاهدة أعدائها :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ ، وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ..
وهي لفتة لها معناها وقيمتها بعد ما تقدم من أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار. وبالتوبة النصوح التي تكفر عنهم السيئات وتدخلهم الجنة تجري من تحتها الأنهار ..
لها معناها وقيمتها في ضرورة حماية المحضن الذي تتم فيه الوقاية من النار. فلا تترك هذه العناصر المفسدة
__________________
(١) الظلال ـ هذا الجزء ـ سورة الصف ص ٣٥٥٢ ـ ٣٥٥٣.