وانه قال للنبي : أوصني ولا تكثر عليّ في الوصية لعلي أحفظها ، فقال : لا تغضب ، فأعاد الرجل السؤال فأعاد النبي الجواب.
وقد كرم الرسول صلوات الله وسلامه عليه أولئك الذين ينأون بأنفسهم عن الاستجابة للغضب الطائش الجامح ، فقال : أشدكم من ملك نفسه عند الغضب ، وأحلمكم من عفا عند القدرة. وقال : «من كفّ غضبه ستر الله عورته». وقال : «من ملك غضبه وقاه الله عذابه».
والعلماء يقولون ان الغضب هو فوران دم القلب لارادة الانتقام ، وهذا شيء كأن الانسان مجبول عليه ، ولا يستطيع التخلص منه بالكلية ، ولكن المأمول من الرجل صاحب الاخلاق الفاضلة أن يتجنب أولا أسباب الغضب ما استطاع الى ذلك سبيلا ، وأن لا يطيع الشيطان فيما يوسوس له من الاستجابة لداعي الغضب ، فلا يتهور ولا يتجبر ولا يندفع. وهذا خلق من أخلاق الأنبياء ، لأن الحلم شيمة من شيمهم الأساسية ، والحليم لا يرتضي لنفسه التهور أو الاندفاع عند ثوران الغضب ، ولقد قال الله تعالى عن نبيه يحيى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً) (١). وقال عكرمة في تفسير الحصور هنا : «انه السيد الذي لا يغلبه الغضب».
هذا وان كان المشهور عند جمهور المفسرين أن الحصور هو الذي لا يأتي النساء من العفة والاجتهاد في ازالة الشهوة. ولقد كان سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسّلام يعطي المثل الأعلى في كظم الغيظ ومقاومة الغضب. وكان يتحمل من أذى قومه ما يتحمل وهو كاظم غيظه ضابط نفسه ، ويقول في تواضع نبيل : «أوذي موسى بأكثر من ذلك فصبر».
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٩.