السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن».
ومن وراء القرآن والسنة أقبل أتباع محمد عليه الصلاة والسّلام ، وفي طليعتهم صحابته رضوان الله عليهم أجمعين ، فأدركوا ما للأخلاق في ميزان القرآن والحديث من قيمة وقدر ، فعنوا بالحديث عنها والكلام فيها ، وهذا هو الإمام علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه يقول مثلا : «سعة الاخلاق كيمياء الارزاق» ويقول : «التقى رئيس الاخلاق».
وأقبل أئمة وعلماء أوسعوا دائرة الحديث عن الاخلاق والنظر في دقائقها والكتابة عنها ، وكلهم من القرآن مقتبس ، ومن الرسول ملتمس ، على اختلاف في الاذواق والطرائق ؛ وهذا مثلا ابن القيم يقول :
«مدار حسن الخلق مع الحق ومع الخلق على حرفين ذكرهما عبد القادر الكيلاني فقال : كن مع الحق بلا خلق ، ومع الخلق بلا نفس. فتأمل ، ما أجلّ هاتين الكلمتين مع اختصارهما ، وما أجمعهما لقواعد السلوك ولكل خلق جميل.
وفساد الخلق إنما ينشأ من توسط الخلق بينك وبين الله تعالى ، وتوسط النفس بينك وبين خلقه ، فمتى عزلت الخلق حال كونك مع الله تعالى ، وعزلت النفس حال كونك مع الخلق ، فقد فزت بكل ما أشار إليه القوم ، وشمروا إليه ، وحاموا حوله ، والله المستعان».
ولعل القرآن الكريم يشير إلى هذا حينما يدعو إلى تجريد الاتجاه إلى الله تعالى فيقول : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) ، وحينما يدعو إلى الحذر من وسوسة النفس ، فيقول : «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي ، إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ».
* *
في ضوء ما تقدم شرعت القلم وتحدثت عن «أخلاق القرآن» في الفصول التالية من هذا الكتاب ، فتناولت هذه الاخلاق خلقا خلقا ، وسرت على