عن محمد بن إسحاق قال ـ بإسناده عن جماعة :
إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري ، وحيي بن أخطب النضري ، وكنانة بن أبي الحقيق النضري ، وهوذة بن قيس الوائلي ، وأبو عمار الوائلي ، في نفر من بني النضير ، ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خرجوا حتى قدموا على قريش في مكة ، فدعوهم إلى حرب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله. فقالت لهم قريش : يا معشر يهود ، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد أفديننا خير أم دينه؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منه. فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ، وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا : هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) إلى قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ؛ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً).
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ واتعدوا له.
ثم خرج أولئك النفر من يهود حتى جاءوا غطفان ـ من قيس عيلان ـ فدعوهم إلى حرب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك ، فاجتمعوا معهم فيه.
فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني فزارة ، والحارث بن عوف من بني مرة ، ومسعر بن رخيلة فيمن تابعه من قومه من أشجع.
فلما سمع بهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وما أجمعوا لهم من الأمر ضرب الخندق على المدينة ؛ فعمل فيه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعمل معه المسلمون فيه. فدأب فيه ودأبوا. وأبطأ عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعن المسلمين في عملهم ذلك رجال من المنافقين ، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل ، ويتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويستأذنه المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها يذكر ذلك لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له ، فإذا قضى حاجته رجع إلى ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتسابا له. فأنزل الله في أولئك المؤمنين .. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ. إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) .. ثم قال تعالى يعني المنافقين الذين كانوا يتسللون من العمل ، ويذهبون بغير إذن من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً ، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ..
ولما فرغ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة ، في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وأهل تهامة. وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد حتى نزلوا بذنب نقمى إلى جانب أحد. وخرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ؛ فضرب هناك عسكره والخندق بينه وبين القوم ،