لنا كلام سيّد البلغاء وإمام الفصّحاء أمير اللغة والبيان ؛ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، وستعرف من بحثنا الآتي أنّ الخوارج ؛ ومنهم الأباضية ، كانوا يحفظون خطب أمير المؤمنين ؛ وأنّ خطباء دولتهم الرستمية كانوا يعيدون ما حفظوه من خطب الإمام عليٍّ في الجُمع والأعياد.
أمّا الشكّ الثاني عشر : قول القائل : إنّ بعض رسائل نهج البلاغة اتسمت بالإسهاب والتطويل أو التفصيل ولمّا كان الورق متعذّراً في عهد الإمام فمن البعيد أن يصدر منه عهده للأشتر.
أقول :
إنّ هذا الاعتراض والشكّ هو أوهن من خيط العنكبوت وذلك أنّ صناعة الورق (القرطاس) كانت قديمة جدّاً إذْ عرفها الصينيّون قبل الإسلام.
فمنذ مطلع القرون الميلادية استعمل الصينيّون الورق المصنوع من الأقمشة البالية ، وحلّ الحبر محلّ الدهان كوسيلة للكتابة بين سنتي ٢٢٠ ـ ٢٦٥(١) ثمّ إنّ مصر كانت مركزاً رئيسيّاً لصناعة الورق في ذلك الحين ومنذ زمن الفراعنة ، فهل يعجز الإمام عليهالسلام أن يستورد منها هذه المادّة وأنّ الحاكم عليها وواليها من قبل أمير المؤمنين عليهالسلام هو محمّـد بن أبي بكر؟!
ثمّ لا تنسى أنّ التجارة بين المدن والأمصار قد اتسعت كثيراً في الدولة الإسلامية ، وإذا كان المسلمون في عوز وفقر ، فذلك في بدء الدعوة وعلى عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فحسب.
__________________
(١) موجز تاريخ الحضارة ١ / ٣٥٥.