وأخيرا نقول :
إذا لم يكن هناك قرطاس يكتب عليه ففي الجلود ما فيه الكفاية حيث كان المسلمون يكتبون عليه بعد صقله ودلكه ، وهذه الجلود المعدّة لهذه الغاية كانت موفورة بلا أدنى شكّ.
أمّا الشكّ الثالث عشر : ادّعى البعض أنّ هناك عدّة خطب في النهج تُعزى لأشخاص غير الإمام عليهالسلام من ذلك الخطبة التي أوّلها :
«أيّها الناس إنّنا قد أصبحنا في زمن عنود ودهر كنود» فقيل إنّها تنسب إلى معاوية(١) ، وكالخطبة التي أوّلها : «إنّ الدنيا حلوة خضرة ..» فقد نسبها الجاحظ إلى قطري بن الفجاءة الخارجي(٢).
أقول :
هذه الدعوى مخدوشة من عدّة جوانب :
أوّلاً : إنّ بلاغة أمير المؤمنين عليهالسلام متميّزة بالصورة الجمالية من استعارات وكنايات وتمثيل وتشبيه ، وإنّك تجد جميع كلام أمير المؤمنين عليهالسلام في النهج على وتيرة واحدة.
ثانياً : لو وضعت تلك النصوص التي زعم البعض أنّها منسوبة أما إلى معاوية أو إلى قطري بن الفجاءة وقارنوا بينها وبين كلام أولئك وأشعارهم لوجدوا البون الشاسع بحيث يأبى الذوق ـ ناهيك عمّن هو متخصّص في بلاغة الأدب والأدباء ـ أن يضع هذه النصوص في حقل كلام أولئك النفر.
ثالثاً : إنّ سيرة حكّام بني أميّة حرصت كلّ الحرص أن لا يتكلّم
__________________
(١) صرّح به الجاحظ في البيان والتبيين ٢ / ٣٩.
(٢) البيان والتبيين ٢ / ٣٩.