في العصر العبّاسي ، والقائل بذلك أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام(١) ، والردّ عليه من وجوه :
أوّلاً : إنّ أدنى التفات من الباحث المختصّ في الأدب العربي سيجد هناك فرقاً كبيراً بين ما هو سجع منمّق صدر عفو الخاطر وبين سجع متكلّف عليه آثار الصنعة.
ثانياً : إنّ في القرآن الكريم آيات عديدة بل سور كثيرة جاء فيها السجع وهو بمثابة تنميق لفظي له وقعه الجميل في النفوس ولم يكن فيه أيّ تكلّف أو صنعة ، اقرأ قوله تعالى من سورة النازعات : (وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً * وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً * فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً * فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً * يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ)(٢) إلى آخر السورة المباركة.
واقرأ في سورة عبس : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءَهُ الأعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى)(٣) إلى آخر السورة المباركة.
وهكذا في سورة التكوير وسورة الانفطار والمطفّفين والانشقاق وحتّى آخر الجزء الثلاثين ناهيك عن السور الأخر من الأجزاء المتقدّمة.
فهل الأستاذ كرد علي وابن تيميّة ـ وغيرهما ـ قد غفلا عن هذه السور والآيات المباركة حتّى يدّعيا أنّ هذا السجع هو من أسلوب العصر العبّاسي أو هناك شيٌ آخر قد انطوت عليه السرائر فكشفه نفث الصدور؟!
__________________
(١) فجر الإسلام ١٤٨ ـ ١٤٩.
(٢) سورة النازعات ٧٩ : ١ ـ ٩.
(٣) سورة عبس ٨٠ : ١ ـ ٦.