من الكتب الأُولى أنّ إبراهيم الخليل هرب(١) من نمرود وهو حمل ، فوضعته أُمّه بين أثلاث(٢) بشاطئ نهر يتدفّق بين غروب الشمس ، وإقبال النهار ، فلمّا وضعته واستقرّ على وجه الأرض ، قام من تحتها يمسح التراب عن وجهه ورأسه(٣) ، ويكثر(٤) من الشهادة بالوحدانية.
ثمّ أخذ ثوباً وتوشّح به وأُمّه تراه ، فلمّا رأته فزعت منه فزعاً شديداً ، ثمّ هرول بين يديها ناظراً إلى السماء ، فكان منه ما قال الله عزّوجلّ في كتابه لمّا رأى كوكباً ثمّ رأى الشمس والقمر ، فقال الله تبارك وتعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(٥).
وعلمتم أنّ موسى بن عمران كان فرعون في طلبه ، وقد شقّ بطون النساء الحوامل ، وذبح الأطفال والأولاد لقتل موسى عليهالسلام ، فلمّا ولدته أُمّه أُمرت أن تأخذه من تحتها وتجعله في التابوت ثمّ تُلقيه في اليم ، فبقيت متحيّرة(٦) حتّى كلّمها وقال : يا أُمّي ألقيني في التابوت واقذفيني في اليم ، فقالت ـ : وهي فزعة من كلامه ـ : إنّي أخاف عليك الغرق ، فقال لها : لا تخافي ولا تحزني إنّ الله تعالى رادّني إليك.
ثمّ إنّها فعلت ذلك ، فبقي في التابوت واليَمّ إلى أن قذفه اليم إلى الساحل ، لا يطعم طعاماً ولا يشرب شراباً.
__________________
(١) في الهداية الكبرى : هربت به أُمّه ، وفي المدينة والبحار : هرب به أبوه ، وفي الفضائل : ذهب به أبوه.
(٢) أثلاث : الثَلَّة التراب الذي يُخرج من حفر البئر. تهذيب اللُّغة ١٥ : ٦٣ ـ ثل.
(٣) في «م» : التراب من رأسه.
(٤) في «ط» : ويكرّر.
(٥) سورة الأنعام ٦ : ٧٥.
(٦) في «ط» زيادة : متفكّرة.