بإسناده ـ عن عبد الرحمن بن حباب السلمي ، قال : خطب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فحث على جيش العسرة ، فقال عثمان بن عفان : عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها. قال : ثم نزل مرقاة من المنبر ، ثم حث ، فقال عثمان : عليّ مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها. قال : فرأيت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول بيده هكذا يحركها (وأخرج عبد الصمد يده كالمتعجب) : «ما على عثمان ما عمل بعد هذا» .. (وهكذا رواه الترمذي عن محمد بن يسار عن أبي داود الطيالسي ، عن سكن بن المغيرة أبي محمد مولى لآل عثمان به. وقال : غريب من هذا الوجه). ورواه البيهقي من طريق عمرو بن مرزوق عن سكن بن المغيرة به ، وقال : ثلاث مرات وأنه التزم بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها ..
وأخرج ابن جرير من طريق يحيى بن أبي كثير ، ومن طريق سعيد عن قتادة وابن أبي حاتم من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة ـ بألفاظ مختلفة ـ قال : حث رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على الصدقة (يعني في غزوة تبوك) فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف (أي درهم) ، فقال يا رسول الله ، مالي ثمانية آلاف ، جئتك بنصفها وأمسكت نصفها. فقال : «بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت». وجاء أبو عقيل بصاع من تمر فقال : يا رسول الله أصبت صاعين من تمر ، صاع أقرضه لربي وصاع لعيالي. قال : فلمزه المنافقون ، وقالوا : ما الذي أعطى ابن عوف إلا رياء. وقالوا ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟! وفي روايات أخرى أنهم قالوا عن أبي عقيل (وهو الذي بات يعمل عند يهودي ليحصل على صاعين أجرا له جاء بأحدهما لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ) إنه إنما أراد أن يذكر بنفسه!
ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهم البكاءون. وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم (١) ، فاستحملوا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (أي طلبوا منه أن يحملهم على ركائب إلى أرض المعركة ، وكانوا أهل حاجة. فقال : «لا أجد ما أحملكم عليه». فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون.
قال ابن إسحاق : فبلغني أن ابن يامين بن عمير بن كعب النضري لقي أبا ليلى عبد الرحمن بن كعب وعبد الله بن مغفل (من السبعة البكائين) وهما يبكيان فقال : ما يبكيكما؟ قال : جئنا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليحملنا ، فلم نجد عنده ما يحملنا عليه ، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه. فأعطاهما ناضحا له (أي جملا يستقي عليه الماء) فارتحلاه. وزودهما شيئا من تمر ، فخرجا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
زاد يونس بن بكير عن ابن إسحاق : وأما علبة بن زيد (أحد البكائين) فخرج من الليل فصلى من ليلته ما شاء الله ، ثم بكى وقال : اللهم إنك أمرت بالجهاد ورغّبت فيه ، ثم لم تجعل عندي ما أتقوّى به ، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه ، وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها في مال أو جسد أو عرض .. ثم أصبح مع الناس. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أين المتصدق هذه الليلة؟» فلم يقم أحد! ثم قال : «أين المتصدق؟ فليقم» فقام إليه فأخبره. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أبشر ، فو الذي نفسي بيده ، لقد كتبت لك في الزكاة المتقبلة» ..
ثم خرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بمن معه وقد قارب عددهم ثلاثين ألفا من أهل المدينة ومن قبائل
__________________
(١) سبق ذكرهم في نهاية الجزء العاشر فيرجع إلى تفصيل الخبر هناك.