الأعراب من حولها. وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية من غير شك ولا ارتياب ، منهم : كعب ابن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية (وهم الثلاثة الذين سيرد تفصيل قصتهم) وأبو خيثمة وعمير بن وهب الجمحي .. وضرب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عسكره على «ثنية الوداع» وضرب عبد الله بن أبي ـ رأس النفاق ـ عسكره على حدة ، أسفل منه ، قال ابن إسحاق : (وكانوا فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين) .. ولكن الروايات الأخرى تقول : إن الذين تخلفوا فعلا دون المائة .. فلما سار رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ تخلف عنه عبد الله بن أبي فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب.
ثم مضى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سائرا ، فجعل يتخلف عنه الرجل ، فيقولون : يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول : «دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه» حتى قيل : يا رسول الله ، قد تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره ، فقال : «دعوه فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه». وتلوّم أبو ذر على بعيره (أي انتظر عليه) ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فحمله على ظهره ، ثم خرج يتبع أثر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ماشيا. ونزل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين فقال : يا رسول الله ، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «كن أبا ذر» فلما تأمله القوم قالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو ذر. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده».
ثم إن أبا خيثمة رجع ـ بعد أن سار رسول الله صلىاللهعليهوسلم أياما ـ إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه (أي في حديقته) قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له فيه ماء. وهيأت له فيه طعاما. فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له ، فقال : رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في الضحّ (أي الشمس) والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم؟! ما هذا بالنصف! ثم قال : والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فهيئا لي زادا. ففعلتا. ثم قدم ناضحه فارتحله ، ثم خرج في طلب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى أدركه حين نزل تبوك .. وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطلب يطلب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب : إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عني حتى آتي رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ففعل. حتى إذا دنا من رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو نازل بتبوك قال الناس : هذا راكب على الطريق مقبل. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «كن أبا خيثمة». فقالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو خيثمة فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أولى لك يا أبا خيثمة! (١)». ثم أخبر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الخبر. فقال له رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خيرا ، ودعا له بخير.
قال ابن إسحاق : وقد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني عمرو بن عوف ، ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له : «مخشن بن حمير» (قال ابن هشام : ويقال : مخشى) يشيرون إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر
__________________
(١) وهي كلمة تقال للوعيد ..