تعبر عنه ؛ ولكن يتنسم ويستشرف ويستجلى من خلال النص القرآني بالروح المتطلع والقلب المتفتح والحس الموصول!
ذلك حالهم الدائم مع ربهم : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ). وهناك تنتظرهم علامة هذا الرضى :
(وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) .. (ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ..
وأي فوز بعد هذا وذلك عظيم؟؟؟
* * *
ذلك مستوى .. وفي مقابله مستوى :
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ ، لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ، ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) ..
ولقد سبق الحديث والكشف عن المنافقين عامة ـ سواء من منافقي المدينة أو منافقي الأعراب ـ ولكن الحديث هنا عن صنف خاص من المنافقين. صنف حذق النفاق ومرن عليه ، ولجّ فيه ومرد ، حتى ليخفى أمره على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، مع كل فراسته وتجربته! فكيف يكون؟
والله سبحانه يقرر أن هذه الفئة من الناس موجودة في أهل المدينة وفي الأعراب المحيطين بالمدينة. ويطمئن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والمؤمنين معه ، من كيد هذه الفئة الخفية الماكرة الماهرة ؛ كما ينذر هؤلاء الماكرين المهرة في النفاق بأنه سبحانه لن يدعهم ، فسيعذبهم عذابا مضاعفا في الدنيا والآخرة :
(لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ. سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ. ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ) ..
والعذاب مرتين في الدنيا ، الأقرب في تأويله أنه عذاب القلق النازل بهم من توقع انكشاف أمرهم في المجتمع المسلم ؛ وعذاب الموت والملائكة تسألهم أرواحهم وتضرب وجوههم وأدبارهم. أو هو عذاب الحسرات التي تصيبهم بانتصار المسلمين وغلبتهم ؛ وعذاب الخوف من انكشاف نفاقهم وتعرضهم للجهاد الغليظ .. والله أعلم بما يريد ..
* * *
وبين المستويين المتقابلين ، مستويان بين بين .. أولهما :
(وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ، عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ؟ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ؟ وَقُلِ : اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ، وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ..).
وأمر الله لرسوله بإجراء معين مع هذه الطائفة دليل على أنها كانت معينة بأشخاصها لرسول الله صلىاللهعليهوسلم كما هو ظاهر.
وقد روي أن الآيات نزلت في جماعة خاصة معينة فعلا ، ممن تخلفوا عن رسول الله في غزوة تبوك ، ثم أحسوا وطأة الذنب ، فاعترفوا بذنوبهم ، ورجوا التوبة. فكان منهم التخلف وهو العمل السيئ. وكان منهم الندم والتوبة وهو العمل الصالح.
قال أبو جعفر بن جرير الطبري : حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا