عبيد بن سلمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا». نزلت في أبي لبابة وأصحابه ، تخلفوا عن نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في غزوة تبوك. فلما قفل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من غزوته ، وكان قريبا من المدينة ، ندموا على تخلفهم عن رسول الله ، وقالوا : نكون في الظلال والأطعمة والنساء ، ونبي الله في الجهاد واللأواء! والله لنوثقن أنفسنا بالسواري ، ثم لا نطلقها حتى يكون نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يطلقنا ويعذرنا! وأوثقوا أنفسهم ، وبقي ثلاثة لم يوثقوا أنفسهم بالسواري. فقدم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من غزوته ، فمر في المسجد ، وكان طريقه ، فأبصرهم! فسأل عنهم ، فقيل له : أبو لبابة وأصحابه ، تخلفوا عنك ، يا نبي الله ، فصنعوا بأنفسهم ما ترى ، وعاهدوا الله ألا يطلقوا أنفسهم حتى تكون أنت الذي تطلقهم! فقال نبي الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا أطلقهم حتى أومر بإطلاقهم ، ولا أعذرهم حتى يعذرهم الله ، قد رغبوا بأنفسهم عن غزوة المسلمين! فأنزل الله : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) إلى (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) و (عَسَى) من الله واجب .. فأطلقهم نبي الله وعذرهم.
ووردت روايات متعددة أخرى منها : أنها في أبي لبابة وحده لما وقع في غزوة بني قريظة من تنبيههم لما يراد بهم ، وأنه الذبح ، بالإشارة إلى عنقه! ولكن هذا مستبعد فأين هذه الآيات مما وقع في بني قريظة! كذلك ورد أنها في الأعراب .. وقد عقب ابن جرير على هذه الروايات كلها بقوله :
«وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك ، قول من قال : نزلت هذه الآية في المعترفين بخطأ فعلهم في تخلفهم عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتركهم الجهاد معه ، والخروج لغزو الروم ، حين شخص إلى تبوك ، وأن الذين نزل ذلك فيهم جماعة ، أحدهم أبو لبابة.
«وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب في ذلك ، لأن الله جل ثناؤه قال : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) .. فأخبر عن اعتراف جماعة بذنوبهم ، ولم يكن المعترف بذنبه ، الموثق نفسه بالسارية في حصار قريظة ، غير أبي لبابة وحده. فإذا كان ذلك كذلك ، وكان الله تبارك وتعالى قد وصف في قوله : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ) بالاعتراف بذنوبهم جماعة ، علم أن الجماعة الذين وصفهم بذلك ليست بالواحد ، فقد تبين بذلك أن هذه الصفة إذ لم تكن إلا لجماعة ، وكان لا جماعة فعلت ذلك ـ فيما نقله أهل السير والأخبار وأجمع عليه أهل التأويل ـ إلا جماعة من المتخلفين عن غزوة تبوك ، صح ما قلنا في ذلك ، وقلنا : «كان منهم أبو لبابة» لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك» ..
ولما ذكر الله ـ سبحانه ـ صفة هذه الجماعة من الناس المتخلفين المعتذرين التائبين عقب عليها بقوله :
(عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ، إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ..
وكما قال ابن جرير : «وعسى من الله واجب» .. فهو رجاء من يملك إجابة الرجاء سبحانه! والاعتراف بالذنب على هذا النحو ، والشعور بوطأته ، دليل حياة القلب وحساسيته ، ومن ثم فالتوبة مرجوة القبول ، والمغفرة مرتقبة من الغفور الرحيم .. وقد قبل الله توبتهم وغفر لهم ..
ثم قال الله لنبيه ـ صلىاللهعليهوسلم ـ :
(خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها ، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ، وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ..
ولقد كانت تلك الحساسية التي بعثت الندم والتوبة في تلك القلوب ، جديرة بالطمأنينة ، حقيقة بالعطف الذي يسكب فيها الأمل ، ويفتح لها أبواب الرجاء .. وإن كان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهو يقود