عليهالسلام قال : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليهالسلام قال : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وإن مثلك يا عمر كمثل موسى عليهالسلام قال : «ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم». وإن مثلك يا عمر كمثل نوح عليهالسلام قال : «رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا». أنتم عالة فلا ينفكن أحد منهم إلا بفداء أو ضربة عنق». قال ابن مسعود : قلت : يا رسول الله ، إلا سهيل ابن بيضاء فإنه يذكر الإسلام! فسكت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ حجارة من السماء مني في ذلك اليوم ، حتى قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «إلا سهيل بن بيضاء». فأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ...) إلى آخر الآية ... (رواه الإمام أحمد والترمذي من حديث أبي معاوية عن الأعمش به ، والحاكم في مستدركه وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
والإثخان المقصود : التقتيل حتى تضعف شوكة المشركين وتشتد شوكة المسلمين ، وهذا ما كان ينبغي قبل أن يكون للنبي والمسلمين أسرى يستبقونهم ويطلقونهم بالفدية كما حدث في بدر. فعاتب الله المسلمين فيه.
لقد كانت غزوة بدر هي المعركة الأولى بين المسلمين والمشركين. وكان المسلمون ما يزالون قلة والمشركون ما يزالون كثرة. وكان نقص عدد المحاربين من المشركين مما يكسر شوكتهم ويذل كبرياءهم ويعجزهم عن معاودة الكرة على المسلمين. وكان هذا هدفا كبيرا لا يعدله المال الذي يأخذونه مهما يكونوا فقراء.
وكان هنالك معنى آخر يراد تقريره في النفوس وتثبيته في القلوب .. ذلك هو المعنى الكبير الذي عبر عنه عمر رضي الله عنه في صرامة ونصاعة وهو يقول : «وحتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين» ..
لهذين السببين البارزين نحسب ـ والله أعلم ـ أن الله ـ سبحانه ـ كره للمسلمين أن يأخذوا الأسرى يوم بدر وأن يفادوهم بمال. ولهذه الظروف الواقعية التي كان يواجهها النص ـ وهو يواجهها كلما تكررت هذه الظروف ـ قال الله تعالى :
(ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) ..
ولذلك عرّض القرآن بالمسلمين الذين قبلوا الفداء في أسرى المعركة الأولى :
(تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) ..
أي : فأخذتموهم أسرى بدل أن تقتلوهم ؛ وقبلتم فيهم الفداء وأطلقتموهم!
(وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ..
والمسلمون عليهم أن يريدوا ما يريد الله ، فهو خير وأبقى. والآخرة تقتضي التجرد من إرادة عرض الدنيا! (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ..
قدر لكم النصر ، وأقدركم عليه ، لحكمة يريدها من قطع دابر الكافرين (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
(لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ..