فقال له رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم!» قال : أجل والله يا رسول الله ، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك ، فكان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال!
وروى الإمام أحمد ـ بإسناده ـ عن ابن عباس عن عمر رضي الله عنهم ـ قال : لما كان يومئذ التقوا ، فهزم الله المشركين ، فقتل منهم سبعون رجلا وأسر منهم سبعون رجلا ، واستشار رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أبا بكر وعمر وعليا. فقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ؛ وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية ، فيكون ما أخذناه منهم قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا. فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ما ترى يا ابن الخطاب؟» قال قلت : والله ما أرى رأي أبي بكر ، ولكني أرى أن تمكني من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه ، وتمكن عليا من عقيل (ابن أبي طالب) فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أن ليس في قلوبنا هوادة للمشركين ، هؤلاء صناديدهم وأئمّتهم وقادتهم! .. فهوى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت ، وأخذ منهم الفداء .. فلما كان من الغد ـ قال عمر ـ فغدوت إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأبي بكر وهما يبكيان. فقلت : ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد تباكيت لبكائكما! قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «للذي عرض على أصحابك من أخذهم الفداء. لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة ـ لشجرة قريبة من النبي صلىاللهعليهوسلم ـ وأنزل الله عزوجل : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) إلى قوله : (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) فأحل لهم الغنائم ... ورواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وابن مردويه من طرق عن عكرمة بن عمار اليماني.
وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن هاشم ، عن حميد ، عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : استشار النبي صلىاللهعليهوسلم الناس في الأسارى يوم بدر ، فقال : «إن الله قد أمكنكم منهم» فقام عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس» فقام عمر فقال : يا رسول الله ، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال للناس مثل ذلك. فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال : يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء. قال : فذهب عن وجه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ما كان فيه من الغم ، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء. قال : وأنزل الله عزوجل : (لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ..
وقال الأعمش ، عن عمر بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «ما تقولون في الأسارى؟» فقال أبو بكر : يا رسول الله ، قومك وأهلك ، استبقهم واستتبهم لعل الله أن يتوب عليهم .. وقال عمر : يا رسول الله ، كذبوك وأخرجوك فقدمهم فاضرب أعناقهم .. وقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله أنت في واد كثير الحطب. فأضرم الوادي عليهم نارا ثم ألقهم فيه! فسكت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلم يرد عليهم شيئا. ثم قام فدخل. فقال ناس : يأخذ بقول أبي بكر. وقال ناس : يأخذ بقول عمر. وقال ناس : يأخذ بقول عبد الله بن رواحة. ثم خرج عليهم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : «إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن ، وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة ، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم