قال ابن إسحاق : وخرج رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في ليال مضت من شهر رمضان في أصحابه. وكانت إبل أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يومئذ سبعين بعيرا فاعتقبوها (أي كانو يركبونها بالتعاقب) فكان رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وعلي بن أبي طالب ، ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيرا. وكان حمزة بن عبد المطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو كبشة وأنسة موليا رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يعتقبون بعيرا. وكان أبوبكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف يعتقبون بعيرا ..
قال المقريزي في إمتاع الأسماع :
ومضى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ حتى إذا كان دون بدر أتاه الخبر بمسير قريش. فاستشار الناس ، فقام أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ فقال فأحسن. ثم قام عمر فقال فأحسن. ثم قال : يا رسول الله ، إنها والله قريش وعزها ، والله ما ذلت منذ عزت ، والله ما آمنت منذ كفرت ، والله لا تسلم عزها أبدا ، ولتقاتلنك ، فأتهب لذلك أهبته ، وأعد لذلك عدته. ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله ، امض لأمر الله ، فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لنبيها : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ). ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا ، إنا معكما مقاتلون. والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لسرنا» (وبرك الغماد موضع بأقصى اليمن) فقال له رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خيرا ودعا له بخير .. ثم قال : «أشيروا علي أيها الناس». وإنما يريد الأنصار .. وكان يظنهم لا ينصرونه إلا في الدار ، لأنهم شرطوا له أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأولادهم (وذلك في بيعة العقبة الثانية التي هاجر على أساسها رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى المدينة) فقام سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ فقال : أنا أجيب عن الأنصار ، كأنك يا رسول الله تريدنا! قال : «أجل». قال : إنك عسى أن تكون قد خرجت عن أمر قد أوحي إليك في غيره (يعني كما يبدو أنك ربما تكون قد خرجت لأمر ثم أوحي إليك في غيره إذ كان قد خرج للعير ثم عرض النفير) ، فإنا قد آمنا بك ، وصدقناك ، وشهدنا أن ما جئت به حق ، فأعطيناك مواثيقنا وعهودنا على السمع والطاعة. فامض يا نبي الله لما أردت. فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل. وصل من شئت ، واقطع من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ؛ وما أخذت من أموالنا أحب إلينا مما تركت. والذي نفسي بيده ما سلكت هذا الطريق قط ، وما لي بها من علم ؛ وما نكره أن نلقى عدونا غدا ، وإنا لصبر عند الحرب ، صدق عند اللقاء ، لعل الله يريك منا بعض ما تقر به عيناك .. وفي رواية أن سعد بن معاذ قال : إنا خلفنا من قومنا قوما ما نحن بأشد حبا لك منهم ، ولا أطوع لك منهم ؛ ولكن إنما ظنوا أنها العير. نبني لك عريشا فتكون فيه ، ونعد عندك رواحلك ، ثم نلقى عدونا ، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببناه ، وإن تكن الأخرى جلست على رواحلك فلحقت من وراءنا .. فقال له النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خيرا. وقال : «أو يقضي الله خيرا من ذلك يا سعد». فلما فرغ سعد من المشورة قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «سيروا على بركة الله ، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين. والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم» .. فعلم القوم أنهم إنما يلاقون القتال وأن العير تفلت ؛ ورجوا النصر لقول النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن يومئذ عقد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الألوية. وهي ثلاثة ، لواء يحمله مصعب بن عمير. ورايتان سوداوان. إحداهما مع علي ، والأخرى مع رجل من الأنصار (هو سعد بن معاذ) وأظهر السلاح .. وكان خرج من المدينة على غير لواء معقود.
... ونزل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أدنى بدر عشاء ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من رمضان ،