وعتبة ابني ربيعة عن الخروج ، والعاص بن منبه بن الحجاج. وأبى أمية بن خلف أن يخرج ، فأتاه عقبة بن أبي معيط وأبو جهل فعنفاه. فقال ابتاعوا لي أفضل بعير في الوادي! فابتاعوا له جملا بثلاث مائة درهم من نعم بني قشير ، فغنمه المسلمون! .. وما كان أحد منهم أكره للخروج من الحارث بن عامر. ورأى ضمضم بن عمرو أن وادي مكة يسيل دما من أسفله وأعلاه. ورأت عاتكة بنت عبد المطلب رؤياها (وفيها نذير لقريش بالقتل والدم في كل بيت) ... فكره أهل الرأي المسير ، ومشى بعضهم إلى بعض ، فكان من أبطئهم عن ذلك الحارث بن عامر ، وأمية بن خلف ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة ، وحكيم بن حزام ، وأبو البختري (ابن هشام) وعلى بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه ؛ حتى بكتهم أبو جهل ، وأعانه عقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث بن كلدة ، فاجمعوا المسير .. وخرجت قريش بالقيان والدفاف يغنين في كل منهل ، وينحرون الجزر ، وهم تسعمائة وخمسون مقاتلا .. وقادوا مائة فرس ، عليها مائة دارع سوى دروع المشاة. وكانت إبلهم سبعمائة بعير. وهم كما ذكر الله تعالى عنهم بقوله : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ ، وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) .. (الأنفال : ٤٧).
وأقبلوا في تجمل عظيم وحنق زائد على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وأصحابه ، لما يريدون من أخذ عيرهم ، وقد أصابوا من قبل عمرو بن الحضرمي والعير التي كانت معه (في سرية عبد الله بن جحش) .. وأقبل أبو سفيان بالعير ومعها سبعون رجلا (في رواية ابن إسحاق ثلاثون رجلا) منهم مخرمة بن نوفل ، وعمرو ابن العاص ، فكانت عيرهم ألف بعير تحمل المال. وقد خافوا خوفا شديدا حين دنوا من المدينة ، واستبطأوا ضمضم بن عمرو والنفير (الذين نفروا من قريش ليمنعوا عيرهم) .. فأصبح أبو سفيان ببدر وقد تقدم العير وهو خائف من الرصد. فضرب وجه عيره ، فساحل بها (أي اتجه إلى ساحل البحر بعيدا عن طريق المدينة) وترك بدرا يسارا ، وانطلق سريعا .. وأقبلت قريش من مكة ينزلون كل منهل. يطعمون الطعام من أتاهم وينحرون الجزر .. وأتاهم قيس بن امرئ القيس من أبي سفيان يأمرهم بالرجوع ، ويخبرهم أن قد نجت عيرهم. فلا تجزروا أنفسكم أهل يثرب (يعني لا تعرضوا أنفسكم لأن يذبحكم أهل يثرب) فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك. إنما خرجتم لتمنعوا العير وأموالكم ، وقد نجاها الله! فعالج قريشا فأبت الرجوع (من الجحفة). وقال أبو جهل : لا والله لا نرجع حتى نرد بدرا ، فنقيم ثلاثا ، ننحر الجزر ، ونطعم الطعام ، ونشرب الخمر ، وتعزف القيان علينا ؛ فلن تزال العرب تهابنا أبدا .. وعاد قيس إلى أبي سفيان ، فأخبره بمضى قريش. فقال : وا قوماه! هذا عمل عمرو بن هشام (يعني أبا جهل) كره أن يرجع لأنه ترأس على الناس فبغى ، والبغي منقصة وشؤم. إن أصاب محمد النفير ذللنا ..
قال ابن إسحاق : وقال الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، وكان حليفا لبني زهرة ، وهم بالجحفة يا بني زهرة قد نجى الله لكم أموالكم ، وخلص لكم صاحبكم مخرمة بن نوفل. وإنما نفرتم لتمنعوه وماله فاجعلوا بي جبنها ، وارجعوا ، فإنه لا حاجة لكم بأن تخرجوا في غير ضيعة. لا ما يقول هذا (يعني أبا جهل) فرجعوا ، فلم يشهدها زهري واحد .. ولم يكن بقي من قريش بطن إلا وقد نفر منهم ناس ، إلا بني عدي ابن كعب ، لم يخرج منهم رجل واحد (في إمتاع الأسماع أن طعمة بن عدي حمل على عشرين بعيرا ، وقواهم وخلفهم في أهلهم بمعونة) .. وكان بين طالب بن أبي طالب ـ وكان في القوم ـ وبين بعض قريش محاورة. فقالوا : والله لقد عرفنا يا بني هاشم ، وإن خرجتم معنا ، إن هواكم لمع محمد. فرجع طالب إلى مكة مع من رجع!