حدثني بعض الحديث ، فاجتمع حديثهم فيما سقت من حديث بدر ، قالوا :
لما سمع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بأبي سفيان مقبلا من الشام ندب المسلمين إليهم ، وقال : «هذه عير قريش فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها» فانتدب الناس ، فخف بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يلقى حربا (وفي زاد المعاد وإمتاع الأسماع أنه صلىاللهعليهوسلم أمر من كان ظهره ـ أي ما يركبه ـ حاضرا بالنهوض ، ولم يحتفل لها احتفالا كبيرا) .. وقال ابن القيم : «وجملة من حضر بدرا من المسلمين ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا : من المهاجرين ستة وثمانون. ومن الأوس واحد وستون. ومن الخزرج مائة وسبعون. وإنما قل عدد الأوس عن الخزرج ، وإن كانوا أشد منهم وأقوى شوكة وأصبر عند اللقاء ، لأن منازلهم كانت في عوالي المدينة ، وجاء النفير بغتة ، وقال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لا يتبعنا إلا من كان ظهره حاضرا. فاستأذنه رجال ظهورهم كانت في علو المدينة أن يستأني بهم حتى يذهبوا إلى ظهورهم ، فأبى. ولم يكن عزمهم على اللقاء ، ولا أعدوا له عدة ، ولا تأهبوا له أهبة. ولكن جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد».
وكان أبو سفيان ـ حين دنا من الحجاز ـ يتحسس الأخبار ، ويسأل من لقي من الركبان ، تخوفا على أمر الناس (أي على أموالهم التي معه في القافلة) حتى أصاب خبرا من بعض الركبان : أن محمدا قد استنفر أصحابه لك ولعيرك. فحذر عند ذلك. فاستأجر ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى مكة ، وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم ، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لنا في أصحابه. فخرج ضمضم بن عمرو سريعا إلى مكة.
قال المقريزي في «إمتاع الأسماع» : فلم يرع أهل مكة إلا وضمضم يقول : يا معشر قريش ، يا آل لؤي ابن غالب ، اللطيمة (وهي العير التي تحمل الطيب والمسك والثياب وليس فيما تحمله طعام يؤكل) قد عرض لها محمد في أصحابه. الغوث الغوث. والله ما أرى أن تدركوها! وقد جدّع أذني بعيره ، وشق قميصه وحول رحله. فلم تملك قريش من أمرها شيئا حتى نفروا على الصعب والذلول ، وتجهزوا في ثلاثة أيام. وقيل في يومين. وأعان قويهم ضعيفهم. وقام سهيل بن عمرو ، وزمعة بن الأسود ، وطعيمة بن عدي ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وعمرو بن أبي سفيان ، يحضون الناس على الخروج. فقال سهيل : يا آل غالب ، أتاركون أنتم محمدا والصباة (أي المرتدين ، يقصد المسلمين!) من أهل يثرب يأخذون عيراتكم وأموالكم؟ من أراد مالا فهذا مال ، ومن أراد قوة فهذه قوة. فمدحه أمية بن أبي الصلت بأبيات! ومشى نوفل بن معاوية الديلي إلى أهل القوة من قريش فكلمهم في بذل النفقة والحملان (أي ما يحمل عليه من الدواب ، يقال فيما يكون هبة خاصة) لمن خرج. فقال عبد الله بن أبي ربيعة : هذه خمسمائة دينار فضعها حيث رأيت. وأخذ من حويطب بن عبد العزى مائتي دينار وثلاث مائة دينار قوى بها في السلاح والظهر ، وحمل طعيمة بن عدي على عشرين بعيرا ، وقواهم وخلفهم في أهلهم بمعونة. وكان لا يتخلف أحدا من قريش إلا بعث مكانه بعيثا. ومشوا إلى أبي لهب فأبى أن يخرج أو يبعث أحدا ، ويقال : إنه بعث مكانه العاصي ، ابن هشام بن المغيرة ـ وكان له عليه دين ـ فقال : اخرج ، وديني لك. فخرج عنه! ... وأخذ عداس (وهو الغلام النصراني الذي أرسله عتبة وشيبة ابنا ربيعة بقطف من العنب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم خرج إلى الطائف فرده أهله ردا قبيحا ، وأتبعوه السفهاء والصبية يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين ، فلجأ منهم إلى بستان عتبة وشيبة. وقد وقع في نفس عداس ما وقع من أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأكب على يديه وقدميه يقبلهما!) يخذل شيبة