والحاملين للوائه أن يلبوا نداءها ، ويأخذوا بناصرهم حتى ينتصروا لهم من أعدائهم الجائرين ، ويستردوا لهم حقوقهم المغصوبة التي استبد بها الطغاة بغيا وعدوانا. وبهذا المعنى نطق لسان الوحي ، حيث ورد في التنزيل : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ، الَّذِينَ يَقُولُونَ : رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) ... (النساء : ٧٥)
«وزد على ذلك أن الأواصر البشرية والعلاقات الإنسانية ـ على ما أثرت فيها الفوارق القومية والوطنية ، وأحدثت فيها من نزعات الشتات والاختلاف ـ قد تشتمل على تلاؤم شامل ، وتجانس عام بين أجزائها ، ربما يتعذر معه أن تسير مملكة في قطر بعينه بحسب مبادئها وخططها المرسومة المستبينة ، ما دامت الأقطار المجاورة لها لا توافقها على مبادئها وخطتها ، ولا ترضى بالسير وفق منهاجها وبرنامجها (١). من أجل ذلك وجب على الحزب المسلم ، حفظا لكيانه ، وابتغاء للإصلاح المنشود ، ألا يقنع بإقامة نظام الحكم الإسلامي في قطر واحد بعينه. بل من واجبه الذي لا مناص له منه بحال من الأحوال ، ألا يدخر جهدا في توسيع نطاق هذا النظام وبسط نفوذه في مختلف أرجاء الأرض. ذلك بأن يسعى الحزب الإسلامي ، في جانب ، وراء نشر الفكرة الإسلامية ، وتعميم نظرياتها الكاملة ونشرها في أقصى الأرض وأدناها ؛ ويدعو سكان المعمورة ـ على اختلاف بلادهم وأجناسهم وطبقاتهم أن يتلقوا هذه الدعوة بالقبول ، ويدينوا بهذا المنهاج الذي يضمن لهم السعادتين ، سعادتي الدنيا والآخرة .. وبجانب آخر ، يشمر عن ساق الجد ، ويقاوم النظم الجائرة المناقضة لقواعد الحق والعدل بالقوة ، إذا استطاع ذلك وأعد له عدته ، ويقيم مكانها نظام العدل والنصفة ، المؤسس على قواعد الإسلام ومبادئه الخالدة التي لا تبلى ، ولن تبلى جدتها على مرور الأيام والليالي.
«هذه هي الخطة التي سلكها. وهذا هو المنهاج الذي انتهجه النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ومن جاء بعده ، وسار بسيرته من الخلفاء الراشدين ، فإنهم بدأوا ببلاد العرب. ثم أشرقت شمس الإسلام من آفاقها. وأخضعوها أولا لحكم الإسلام ، وأدخلوها في كنف المملكة الإسلامية الجديدة. ثم دعا النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الملوك والأمراء والرؤساء في مختلف بقاع الأرض إلى دين الحق والإذعان لأمر الله. فالذين آمنوا بهذه الدعوة انضموا إلى هذه المملكة الإسلامية وأصبحوا من أهلها ، والذين لم يلبوا دعوتها ولم يتقبلوها بقبول حسن شرع في قتالهم وجهادهم .. ولما استخلف أبوبكر رضي الله عنه ، بعد وفاته ـ صلىاللهعليهوسلم ـ والتحاقه بالرفيق الأعلى ، حمل على المملكتين المجاورتين للمملكة الإسلامية .. مملكتي الروم والفرس. اللتين بلغ من عتوهما وتماديهما في الغي والاستكبار في الأرض ما طبقت شهرته الآفاق. وبلغت هذه الحملات التي بدأ بها الصديق ـ رضي الله عنه ـ غايتها في عصر الفاروق الذي يرجع إليه الفضل العظيم في توطيد دعائم المملكة الإسلامية الأولى ، حتى شمل ظلها الوارف تلك الأقطار جميعا (٢)» ... (انتهت المقتطفات).
* * *
__________________
(١) وبخاصة إذا كانت هذه المبادئ والخطط هي مبادئ الإسلام وخططه التي تنتزع السلطان من كل متسلط وترده إلى الله وحده. ومن ثم تتجمع في وجهها جميع الأنظمة ، وجميع الحكومات ، وجميع المعسكرات التي تقوم على أساس عبودية البشر للبشر .. القاعدة التي تشترك فيها جميع أنظمة البشر!
(٢) ولم تكن تلك الفتوحات التي بدأت على عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وسارت في طريقها في عهد الخليفتين الراشدين بعده .. مجرد عدوى من الروح الامبراطورية السائدة في الأرض في ذلك الزمان كما يزعم بعض المستشرقين والمتأثرين بمزاعمهم! فما كان هذا الدين الذي جاء ليبدل واقع الأرض وتصوراتها ليأخذ «العدوى» من واقع الأرض وتصوراتها! وما كان رسول الله ليخدع عن حقيقة دين الله بهذه العدوى!