إلى سلاح أسلافهم المسلمين .. ومن يدري فقد تصحو البشرية كلها يوما على طغيان اليهود! لتحقق وعيد الله لهم ، وتردهم إلى الذلة التي كتبها الله عليهم .. فإن لم تصح البشرية فسيصحوا أخلاف المسلمين .. هذا عندنا يقين ..
* * *
وكانت هذه وقفة للتعقيب على مصير الذين اتخذوا العجل وافتروا على الله ، تتوسط المشهد ثم يمضي السياق يكمل المشهد :
(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ ، وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) ..
والتعبير القرآني يشخص الغضب ، فكأنما هو حي ، وكأنما هو مسلط على موسى ، يدفعه ويحركه .. حتى إذا «سكت» عنه ، وتركه لشأنه! عاد موسى إلى نفسه ، فأخذ الألواح التي كان قد ألقاها بسبب دفع الغضب له وسيطرته عليه .. ثم يقرر السياق مرة أخرى أن في هذه الألواح هدى ، وأن فيها رحمة ، لمن يخشون ربهم ويرهبونه ؛ فتتفتح قلوبهم للهدى ، وينالون به الرحمة .. والهدى ذاته رحمة. فليس أشقى من القلب الضال ، الذي لا يجد النور. وليس أشقى من الروح الشارد الحائر الذي لا يجد الهدى ولا يجد اليقين .. ورهبة الله وخشيته هي التي تفتح القلوب للهدى ؛ وتوقظها من الغفلة ، وتهيئها للاستجابة والاستقامة .. إن الله خالق هذه القلوب هو الذي يقرر هذه الحقيقة. ومن أعلم بالقلوب من رب القلوب؟
* * *
ويمضي السياق بالقصة ، فإذا نحن أمام مشهد جديد. المشهد الثاني عشر. مشهد موسى وسبعين من قومه مختارين للقاء ربه :
(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا. فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ : رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ. أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا؟ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ. أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ. وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ ، إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ. قالَ : عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ ، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ، فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ..
وتختلف الروايات في سبب هذا الميقات. وربما كان لإعلان التوبة ، وطلب المغفرة لبني إسرائيل مما وقعوا فيه من الكفر والخطيئة ـ وفي سورة البقرة أن التكفير الذي فرض على بني إسرائيل هو : أن يقتلوا أنفسهم ، فيقتل المطيع منهم من عصى ؛ وقد فعلوا حتى أذن لهم الله بالكف عن ذلك ، وقبل كفارتهم ـ وهؤلاء السبعون كانوا من شيوخهم ومن خيرتهم. أو كانوا هم خلاصتهم التي تمثلهم ، فصيغة العبارة : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً .. لِمِيقاتِنا). تجعلهم بدلا من القوم جميعا في الاختيار ..
ومع هذا فما الذي كان من هؤلاء المختارين؟ لقد أخذتهم الرجفة فصعقوا. ذلك أنهم ـ كما ورد في السورة الأخرى طلبوا إلى موسى أن يروا الله جهرة ، ليصدقوه فيما جاءهم به من الفرائض في الألواح (١) .. وهي شاهدة
__________________
(١) لم ينص هنا على سبب الرجفة : ولكن جاء في مثل هذا الموضع من القصة في سورة البقرة : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً. فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ... والظاهر من السياق أنها هي هي. وليست حادثة أخرى في تاريخ بني إسرائيل مع موسى.