غير ما يقوله الله سبحانه! فهذه العقيدة ـ كما نرى في القرآن الكريم ـ جاءت دائما بحقيقة واحدة. وحكيت العبارة عنها في ألفاظ بعينها : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) وهذا الإله الذي دعا الرسل كلهم إليه هو «رب العالمين» .. الذي يحاسب الناس في يوم عظيم .. فلم يكن هنا لك رسول من عند الله دعا إلى رب قبيلة ، أو رب أمة ، أو رب جنس .. كما أنه لم يكن هناك رسول من عند الله دعا إلى إلهين اثنين أو آلهة متعددة .. وكذلك لم يكن هناك رسول من عند الله دعا إلى عبادة طوطمية ، أو نجمية ، أو «أرواحية!» أو صنمية! ولم يكن هناك دين من عند الله ليس فيه عالم آخر .. كما يزعم من يسمونهم «علماء الأديان» وهم يستعرضون الجاهليات المختلفة ، ثم يزعمون أن معتقداتها كانت هي الديانات التي عرفتها البشرية في هذه الأزمان ، دون غيرها!
لقد جاءت الرسل ـ رسولا بعد رسول ـ بالتوحيد الخالص ، وبربوبية رب العالمين! وبالحساب في يوم الدين .. ولكن الانحرافات في خط الاعتقاد ، مع الجاهليات الطارئة بعد كل رسالة ، بفعل العوامل المعقدة المتشابكة في تكوين الإنسان ذاته وفي العوالم التي يتعامل معها .. هذه الانحرافات تمثلت في صور شتى من المعتقدات الجاهلية .. هي هذه التي يدرسها «علماء الأديان!» ثم يزعمون أنها الخط الصاعد في تدرج الديانات وتطورها!
وعلى أية حال فهذا هو قول الله ـ سبحانه ـ وهو أحق أن يتبع ، وبخاصة ممن يكتبون عن هذا الموضوع في صدد عرض العقيدة الإسلامية ، أو صدد الدفاع عنها! أما الذين لا يؤمنون بهذا القرآن ، فهم وما هم فيه .. والله يقص الحق وهو خير الفاصلين ..
* إن كل رسول من الرسل ـ صلوات الله عليهم جميعا ـ قد جاء إلى قومه ، بعد انحرافهم عن التوحيد الذي تركهم عليه رسولهم الذي سبقه .. فبنو آدم الأوائل نشأوا موحدين لرب العالمين ـ كما كانت عقيدة آدم وزوجه ـ ثم انحرفوا بفعل العوامل التي أسلفنا ـ حتى إذا جاء نوح ـ عليهالسلام ـ دعاهم إلى توحيد رب العالمين مرة أخرى. ثم جاء الطوفان فهلك المكذبون ونجا المؤمنون. وعمرت الأرض بهؤلاء الموحدين لرب العالمين ـ كما علمهم نوح ـ وبذراريهم. حتى إذا طال عليهم الأمد انحرفوا إلى الجاهلية كما انحرف من كان قبلهم .. حتى إذا جاء هود أهلك المكذبون بالريح العقيم .. ثم تكررت القصة .. وهكذا ..
ولقد أرسل كل رسول من هؤلاء إلى قومه. فقال : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) .. وقال كل رسول لقومه : «إني لكم ناصح أمين» ، معبرا عن ثقل التبعة ؛ وخطورة ما يعلمه من عاقبة ما هم فيه من الجاهلية في الدنيا والآخرة ؛ ورغبته في هداية قومه ، وهو منهم وهم منه .. وفي كل مرة وقف «الملأ» من عليه القوم وكبرائهم في وجه كلمة الحق هذه ؛ ورفضوا الاستسلام لله رب العالمين. وأبوا أن تكون العبودية والدينونة لله وحده ـ وهي القضية التي قامت عليها الرسالات كلها وقام عليها دين الله كله ـ وهنا يصدع كل رسول بالحق في وجه الطاغوت .. ثم ينقسم قومه إلى أمتين متفاصلتين على أساس العقيدة. وتنبتّ وشيجة القومية ووشيجة القرابة العائلية ؛ لتقوم وشيجة العقيدة وحدها. وإذا «القوم» الواحد ، أمتان متفاصلتان لا قربى بينهما ولا علاقة! .. وعندئذ يجيء الفتح .. ويفصل الله بين الأمة المهتدية والأمة الضالة ، ويأخذ المكذبين المستكبرين ، وينجي الطائعين المستسلمين .. وما جرت سنة الله قط بفتح ولا فصل قبل أن ينقسم القوم الواحد إلى أمتين على أساس العقيدة ، وقبل أن يجهر أصحاب العقيدة بعبوديتهم لله وحده. وقبل أن يثبتوا في وجه الطاغوت بإيمانهم. وقبل أن يعلنوا مفاصلتهم لقومهم .. وهذا ما يشهد به تاريخ دعوة الله على مدار التاريخ.