وفي الوجود من حوله. تفاعلت في واقعه وفي ضميره. ثم ها نحن أولاء في هذا الدرس نشهد كيف صارت به هذه العوامل المعقدة المتشابكة إلى الجاهلية!!!
إنه ينسى .. وقد نسي .. إنه يضعف .. وقد ضعف .. إن الشيطان يغلبه .. وقد غلبه .. ولا بد من الإنقاذ مرة أخرى!!!
لقد هبط إلى هذه الأرض مهتديا تائبا موحدا .. ولكن ها نحن أولاء نلتقي به ضالا مفتريا مشركا!!!
لقد تقاذفته الأمواج في الخضم .. ولكن هنا لك معلما في طريقه .. هنا لك الرسالة ترده إلى ربه. فمن رحمة ربه به أن لا يتركه وحده!
وها نحن أولاء في هذه السورة نلتقي بموكب الإيمان ، يرفع أعلامه رسل الله الكرام : نوح. وهود. وصالح. ولوط. وشعيب. وموسى. ومحمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم جميعا .. ونشهد كيف يحاول هذا الرهط الكريم ـ بتوجيه الله وتعليمه ـ إنقاذ الركب البشري من الهاوية التي يقوده إليها الشيطان ، وأعوانه من شياطين الإنس المستكبرين عن الحق في كل زمان. كما نشهد مواقف الصراع بين الهدى والضلال. وبين الحق والباطل ، وبين الرسل الكرام وشياطين الجن والإنس .. ثم نشهد مصارع المكذبين في نهاية كل مرحلة ، ونجاة المؤمنين ، بعد الإنذار والتذكير ..
والقصص في القرآن لا يتبع دائما ذلك الخط التاريخي. ولكنه في هذه السورة يتبع هذا الخط. ذلك أنه يعرض سير الركب البشري منذ النشأة الأولى ، ويعرض موكب الإيمان وهو يحاول هداية هذا الركب واستنقاذه كلما ضل تماما عن معالم الطريق ، وقاده الشيطان كلية إلى المهلكة ليسلمه في نهايتها إلى الجحيم!
وفي وقفتنا أمام المشهد الكلي الرائع نلمح جملة معالم نلخصها هنا قبل مواجهة النصوص :
* إن البشرية تبدأ طريقها مهتدية مؤمنة موحدة .. ثم تنحرف إلى جاهلية ضالة مشركة ـ بفعل العوامل المتشابكة المعقدة في تركيب الإنسان ذاته ، وفي العوالم والعناصر التي يتعامل معها .. وهنا يأتيها رسول بذات الحقيقة التي كانت عليها قبل أن تضل وتشرك. فيهلك من يهلك ، ويحيا من يحيا. والذين يحيون هم الذين آبوا إلى الحقيقة الإيمانية الواحدة. هم الذين علموا أن لهم إلها واحدا ، واستسلموا بكليتهم إلى هذا الإله الواحد. هم الذين سمعوا قول رسولهم لهم : «يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره» .. فهي حقيقة واحدة يقوم عليها دين الله كله ، ويتعاقب بها الرسل جميعا على مدار التاريخ .. فكل رسول يجيء إنما يقول هذه الكلمة لقومه الذين اجتالهم الشيطان عنها ، فنسوها وضلوا عنها ، وأشركوا مع الله آلهة أخرى ـ على اختلاف هذه الآلهة في الجاهليات المختلفة ـ وعلى أساسها تدور المعركة بين الحق والباطل .. وعلى أساسها يأخذ الله المكذبين بها وينجي المؤمنين .. والسياق القرآني يوحد الألفاظ التي عبر بها جميع الرسل ـ صلوات الله عليهم ـ مع اختلاف لغاتهم .. يوحد حكاية ما قالوه ، ويوحد ترجمته في نص واحد : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) .. وذلك لتحقيق معنى وحدة العقيدة السماوية ـ على مدار التاريخ ـ حتى في صورتها اللفظية! لأن هذه العبارة دقيقة في التعبير عن حقيقة العقيدة ، ولأن عرضها في السياق بذاتها يصور وحدة العقيدة تصويرا حسيا .. ولهذا كله دلالته في تقرير المنهج القرآني عن تاريخ العقيدة ..
وفي ضوء هذا التقرير يتبين مدى مفارقة منهج «الأديان المقارنة» مع المنهج القرآني .. يتبين أنه لم يكن هناك تدرج ولا «تطور» في مفهوم العقيدة الأساسي ، الذي جاءت به الرسل كلها من عند الله ، وأن الذين يتحدثون عن «تطور» المعتقدات وتدرجها ؛ ويدمجون العقيدة الربانية في هذا التدرج «والتطور» يقولون