مما يطلبه الناس من الخوارق .. وهي تتم في كل يوم وليلة. بل تتم في كل ثانية ولحظة ..
وها هو ذا يقف بنا أمام نشأة الحياة البشرية .. من نفس واحدة .. وأمام تكاثرها بتلك الطريقة.
وها هو ذا يقف بنا أمام نشأة الحياة في النبات .. وأمام مشاهد الأمطار الهاطلة ، والزروع النامية ، والثمار اليانعة. وهي حشد من الحيوات والمشاهد ، ومجال للتأمل والزيادة. لو نشاهدها بالحس المتوفز والقلب المتفتح.
وها هو ذا الوجود كله ، جديدا كأنما نراه أول مرة. حيا يعاطفنا ونعاطفه ، متحركا تدب الحركة في أوصاله ، عجيبا يشده الحواس والمشاعر. ناطقا بذاته عن خالقه. دالا بآياته على تفرده وقدرته ..
وعندئذ يبدو الشرك بالله ـ والسياق يواجه الشرك والمشركين بهذا الاستعراض ـ غريبا غريبا على فطرة هذا الوجود وطبيعته. وشائها شائها في ضمير من يشاهد هذا الوجود الحافل بدلائل الهدى ويتأمله. وتسقط حجة الشرك والمشركين ، في مواجهة هذا الإيمان الغامر في مجالي الوجود العجيب ..
والمنهج القرآني ـ في خطاب الكينونة البشرية بحقيقة الألوهية ؛ وفي بيانه لموقف العبودية منها ؛ يجعل حقيقة الخلق والإنشاء للكون ، وحقيقة الخلق والإنشاء للحياة ، وحقيقة كفالة الحياة بالرزق الذي ييسره لها الله في ملكه ، وحقيقة السلطان الذي يخلق ويرزق ويتصرف في عالم الأسباب بلا شريك .. يجعل من هذه الحقائق مؤثرا موحيا. وبرهانا قويا على ضرورة ما يدعو إليه البشر : من العبودية لله وحده ، وإخلاص الاعتقاد والعبادة والطاعة والخضوع له وحده .. وكذلك يجيء في السياق ـ بعد استعراض صفحة الوجود ؛ وانكشاف حقيقة الخلق والإنشاء والرزق والكفالة والسلطان ـ الدعوة إلى عبادة الله وحده ، أي إلى إفراده سبحانه بالألوهية وخصائصها ، في حياة العباد كلها ؛ وجعل الحاكمية والتحاكم إليه وحده في شؤون الحياة كافة ، واستنكار ادعاء الألوهية أو إحدى خصائصها.
وكذلك نجد في هذا الدرس قوله تعالى : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) .. نموذجا للمنهج القرآني في ربط العبادة الخالصة ، بإفراد الألوهية لله وحده ، مع تقرير أنه ـ سبحانه ـ (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) .. (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ..
وفي نهاية الدرس ـ وبعد عرض هذه الآيات في صفحة الوجود كله ـ يكشف عن تفاهة طلب الخوارق ، كما يكشف عن طبيعة المكذبين المعاندة ، التي لا تتخلف عن الإيمان لنقص في الآيات والدلائل ؛ ولكن لطبع فيها مطموس! وإلا فهذه الآيات تزحم الوجود.
* * *
(إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى ، يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ ، وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ. ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ؟) ..
إنها المعجزة التي لا يدري سرها أحد ؛ فضلا على أن يملك صنعها أحد! (١) معجزة الحياة نشأة وحركة .. وفي كل لحظة تنفلق الحبة الساكنة عن نبتة نامية ، وتنفلق النواة الهامدة عن شجرة صاعدة. والحياة الكامنة في الحبة والنواة ، النامية في النبتة والشجرة ، سر مكنون ، لا يعلم حقيقته إلا الله ؛ ولا يعلم مصدره إلا الله .. وتقف البشرية بعد كل ما رأت من ظواهر الحياة وأشكالها ، وبعد كل ما درست من خصائصها وأطوارها ..
__________________
(١) يطنطن الماديون بأنه أمكن تحضير بعض المواد التي لم يكن يمكن تحضيرها إلا في تفاعلات كائن حي .. والفرق بين المادة العضوية والمادة الحية كبير .. كما أن هذه المادة المحضرة إنما صنعت من مواد مخلوقة ولم يخلقها البشر ، ولا يستطيعون!