(وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ ، وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها) ..
فكل نفس على حدة تبسل (أي ترتهن وتؤخذ) بما كسبت ، حالة أن ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع ، ولا يقبل منها عدل تفتدى به وتفك الربقة!
فأما أولئك الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا فهؤلاء قد ارتهنوا بما كسبوا ؛ وحق عليهم ما سبق في الآية ؛ وكتب عليهم هذا المصير :
(أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا ، لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) ..
لقد أخذوا بما فعلوا ؛ وهذا جزاؤهم : شراب ساخن يشوي الحلوق والبطون ؛ وعذاب أليم بسبب كفرهم ، الذي دل عليه استهزاؤهم بدينهم ..
وثالثها : قول الله تعالى في المشركين : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) ..
فهل هو دينهم؟ ..
إن النص ينطبق على من دخل في الإسلام ، ثم اتخذ دينه هذا لعبا ولهوا .. وقد وجد هذا الصنف من الناس وعرف باسم المنافقين .. ولكن هذا كان في المدينة ..
فهل هو ينطبق على المشركين الذين لم يدخلوا في الإسلام؟ إن الإسلام هو الدين .. هو دين البشرية جميعا .. سواء من آمن به ومن لم يؤمن .. فالذي رفضه إنما رفض دينه .. باعتبار أنه الدين الوحيد الذي يعده الله دينا ويقبله من الناس بعد بعثة خاتم النبيين.
ولهذه الإضافة دلالتها في قوله :
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً) ..
فهي ـ والله أعلم ـ إشارة إلى هذا المعنى الذي أسلفناه ، من اعتبار الإسلام دينا للبشرية كافة. فمن اتخذه لعبا ولهوا ، فإنما يتخذ دينه كذلك .. ولو كان من المشركين ..
ولا نزال نجدنا في حاجة إلى تقرير من هم المشركون؟ إنهم الذين يشركون بالله أحدا في خصائص الألوهية. سواء في الاعتقاد بألوهية أحد مع الله. أو بتقديم الشعائر التعبدية لأحد مع الله. أو بقبول الحاكمية والشريعة من أحد مع الله. ومن باب أولى من يدعون لأنفسهم واحدة من هذه ، مهما تسمَّوا بأسماء المسلمين! فلنكن من أمر ديننا على يقين!
ورابعها : حدود مجالسة الظالمين ـ أي المشركين ـ والذين يتخذون دينهم لعبا ولهوا .. وقد سبق القول بأنها لمجرد التذكير والتحذير. فليست لشيء وراء ذلك ـ متى سمع الخوض في آيات الله ؛ أو ظهر اتخاذها لعبا ولهوا بالعمل بأية صورة مما ذكرنا أو مثلها ..
وقد جاء في قول القرطبي في كتابه : الجامع لأحكام القرآن بصدد هذه الآية :
«في هذه الآية ردٌّ من كتاب الله عزوجل ، على من زعم أن الأئمة الذين هم حجج وأتباعهم ، لهم أن يخالطوا الفاسقين ، ويصوّبوا آراءهم تقاة ..»
ونحن نقول : إن المخالطة بقصد الموعظة والتذكير وتصحيح الفاسد والمنحرف من آراء الفاسقين تبيحها الآية في الحدود التي بينتها. أما مخالطة الفاسقين والسكوت عما يبدونه من فاسد القول والفعل من باب التقية