فهو المحظور. لأنه ـ في ظاهره ـ إقرار للباطل ، وشهادة ضد الحق. وفيه تلبيس على الناس ، ومهانة لدين الله وللقائمين على دين الله. وفي هذه الحالة يكون النهي والمفارقة.
كذلك روى القرطبي في كتابه هذه الأقوال :
«قال ابن خويز منداد : من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر ـ مؤمنا كان أو كافرا ـ قال : وكذلك منع أصحابنا الدخول إلى أرض العدو ، ودخول كنائسهم والبيع (١) ، ومجالسة الكفار وأهل البدع ؛ وألا تعتقد مودتهم ، ولا يسمع كلامهم ولا مناظرتهم. وقد قال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي : اسمع مني كلمة. فأعرض عنه ، وقال : ولا نصف كلمة (٢)!. ومثله عن أيوب السختياني. وقال الفضيل بن عياض : من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله ، وأخرج الإسلام من قلبه ، ومن زوج كريمته من مبتدع فقد قطع رحمها ؛ ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة ، وإذا علم الله من رجل أنه مبغض لصاحب بدعة رجوت أن يغفر الله له. وروى أبو عبد الله الحاكم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام» ..
فهذا كله في صاحب البدعة وهو على دين الله .. وكله لا يبلغ مدى من يدعي خصائص الألوهية بمزاولته للحاكمية ؛ ومن يقره على هذا الادعاء .. فليس هذا بدعة مبتدع ؛ ولكنه كفر كافر ، أو شرك مشرك. مما لم يتعرض له السلف لأنه لم يكن في زمانهم. فمنذ أن قام الإسلام في الأرض لم يبلغ من أحد أن يدعي هذه الدعوى ، وهو يزعم الإسلام. ولم يقع شيء من ذلك إلا بعد الحملة الفرنسية التي خرج بعدها الناس من اطار الإسلام ـ إلا من عصم الله ـ وكذلك لم يعد في قول هؤلاء السلف ما ينطبق على هذا الذي كان! فقد تجاوز كل ما تحدثوا عنه بمثل هذه الأحكام ..
(قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنا قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٧١) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٧٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ)(٧٣)
__________________
(١) صلى عمر رضي الله عنه في كنيسة بيت المقدس. ولكنه لم يكن في دار عدو. إنما كان في دار عهد وذمة. لأن النصارى يومئذ في هذه البقعة كانوا معاهدين ذميين.
(٢) في القرآن : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ، وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) ..