نصدقه! قال : فقام عنه الأخنس وتركه ..
وروى ابن جرير ـ من طريق أسباط عن السدي ـ في قوله : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ، وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) .. لما كان يوم بدر ، قال الأخنس بن شريق لبني زهرة : يا بني زهرة إن محمدا ابن أختكم ، فأنتم أحق من ذب عن ابن أخته ، فإن كان نبيا لم تقاتلوه اليوم ، وإن كان كاذبا كنتم أحق من كف عن ابن أخته. قفوا حتى ألقى أبا الحكم ، فإن غلب محمد رجعتم سالمين ، وإن غلب محمد فإن قومكم لن يصنعوا بكم شيئا ـ فيومئذ سمي الأخنس وكان اسمه أبي ـ فالتقى الأخنس بأبي جهل ، فخلا به ، فقال : يا أبا الحكم أخبرني عن محمد : أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس هاهنا من قريش غيري وغيرك يستمع كلامنا! فقال أبو جهل : ويحك! والله إن محمدا لصادق ، وما كذب محمد قط ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة ، فماذا يكون لسائر قريش؟ فذلك قوله : (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ..
ونلاحظ : أن السورة مكية ، وهذه الآية مكية لا شك في ذلك ؛ بينما الحادثة المذكورة كانت في المدينة يوم بدر .. ولكن إذا عرفنا أنهم كانوا يقولون أحيانا عن آية ما : «فذلك قوله : كذا ..» ويقرنون إليها حادثا ما لا للنص على أنها نزلت بسبب الحادث الذي يذكرونه ؛ ولكن بسبب انطباق مدلولها على الحادث ، بغض النظر عما إذا كان سابقا أو لاحقا .. فإننا لا نستغرب هذه الرواية ..
وقال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : حدِّثت أن عتبة بن ربيعة ـ وكان سيدا ـ قال يوما وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل بعضها ، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ ـ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ، ورأوا أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يزيدون ويكثرون ـ فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه. فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : يا ابن أخي. إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة ، والمكان في النسب. وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت به جماعتهم ، وسفهت أحلامهم ، وعبت به آلهتهم ودينهم ، وكفرت به من مضى من آبائهم. فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، لعلك تقبل منها بعضها. قال : فقال له رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «قل : يا أبا الوليد أسمع» قال : يا ابن أخي ، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك ، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء ، وبذلنا فيها أموالنا حتى نبرئك منه ، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه .. أو كما قال .. حتى إذا فرغ عتبة ، ورسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يستمع منه ـ قال : «أفرغت يا أبا الوليد؟» قال : نعم. قال : «فاستمع مني». قال : أفعل. قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : حم. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ ...) ثم مضى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فيها وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها ، وألقى يديه خلف ظهره ، معتمدا عليهما ، يستمع منه ، حتى انتهى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ إلى السجدة منها فسجد. ثم قال : «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت ، فأنت وذاك» .. فقام عتبة إلى أصحابه. فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد