امرأة من السبي تسعى قد تحلب ثديها ، إذ وجدت صبيا في السبي ، فأخذته ، فألزقته ببطنها فأرضعته. فقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟» قلنا : لا والله وهي تقدر على ألا تطرحه. قال : «فالله تعالى أرحم بعباده من هذه بولدها» .. (أخرجه الشيخان).
وكيف لا. وهذه المرأة إنما ترحم ولدها ، من فيض رحمة واحدة من رحمات الله الواسعة؟
ومن تعليم رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ لأصحابه هذه الحقيقة القرآنية ، بهذا الأسلوب الموحي ، كان ينتقل بهم خطوة أخرى ؛ ليتخلقوا بخلق الله هذا في رحمته ، ليتراحموا فيما بينهم وليرحموا الأحياء جميعا ؛ ولتتذوق قلوبهم مذاق الرحمة وهم يتعاملون بها ، كما تذوقتها في معاملة الله لهم بها من قبل.
عن ابن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «الراحمون يرحمهمالله تعالى. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» .. (أخرجه أبو داود والترمذي).
وعن جرير ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» ... (أخرجه الشيخان والترمذي).
وفي رواية لأبي داود والترمذي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : قال صلىاللهعليهوسلم : «لا تنزع الرحمة إلا من شقي». وعن أبي هريرة كذلك. قال : «قبل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ وعنده الأقرع بن حابس. فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا! فنظر إليه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم قال : «من لا يرحم لا يرحم» .. (أخرجه الشيخان).
ولم يكن ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقف في تعليمه لأصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ عند حد الرحمة بالناس. وقد علم أن رحمة ربه وسعت كل شيء. وأن المؤمنين مأمورون أن يتخلقوا بأخلاق الله ؛ وأن الإنسان لا يبلغ تمام إنسانيته إلا حين يرحم كل حي تخلقا بخلق الله سبحانه. وكان تعليمه لهم بالطريقة الموحية التي عهدناها :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا ، فنزل فيها فشرب ، ثم خرج ، وإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش. فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني ، فنزل البئر ، فملأ خفه ماء ، ثم أمسكه بفيه حتى رقي ، فسقى الكلب. فشكر الله تعالى له فغفر له». قالوا : يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا؟ قال : «في كل كبد رطبة أجر» .. (أخرجه مالك والشيخان).
وفي أخرى : إن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر ، قد أدلع (أي أخرج) لسانه من العطش فنزعت له موقها (أي خفها) فغفر لها به.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ـ رضي الله عنه ـ قال : كنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر. فرأينا حمرة (طائر) معها فرخان لها فأخذناهما. فجاءت الحمرة تعرّش (أو تفرش) ـ (أي ترخي جناحيها وتدنو من الأرض) فلما جاء رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : «من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها». ورأى قرية نمل قد أحرقناها فقال : من أحرق هذه؟ قلنا : نحن. قال : إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار» ... (أخرجه أبو داود) ..
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «قرصت نملة نبيا من الأنبياء.