وعلى أية حال ، فالذي يقرر هذه الإجراءات ، هو الذي خلق. وهو أعلم بمن خلق. وكل جدال بعد قول العليم الخبير مهاترة ؛ وكل تمرد على اختيار الخالق وعدم تسليم به ، مفض إلى الخروج من مجال الإيمان كله ..
وهو ـ سبحانه ـ يقررها ، في جو وفي ملابسات تحدد صفتها ، وتحدد النية المصاحبة لها ، وتحدد الغاية من ورائها. بحيث لا يحسب على منهج الله تلك المفهومات الخاطئة للناس في عهود الجاهلية ؛ حين يتحول الرجل جلادا ـ باسم الدين! ـ وتتحول المرأة رقيقا ـ باسم الدين! ـ أو حين يتحول الرجل امرأة ؛ وتتحول المرأة رجلا ؛ أو يتحول كلاهما إلى صنف ثالث مائع بين الرجل والمرأة ـ باسم التطور في فهم الدين ـ فهذه كلها أوضاع لا يصعب تمييزها عن الإسلام الصحيح ومقتضياته في نفوس المؤمنين!
وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز ـ قبل استفحالها ـ وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها ، فور تقريرها وإباحتها. وتولى الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بسنته العملية في بيته مع أهله ، وبتوجيهاته الكلامية علاج الغلو هنا وهناك ، وتصحيح المفهومات في أقوال كثيرة :
ورد في السنن والمسند : عن معاوية بن حيدة القشيري ، أنه قال : يا رسول الله ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال : «أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت. ولا تضرب الوجه. ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت» ..
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه : قال النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «لا تضربوا إماء الله» .. فجاء عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «فقال : ذئرت النساء على أزواجهن! فرخص رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في ضربهن. فأطاف بآل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نساء كثير يشتكين أزواجهن! فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «لقد أطاف بآل محمد نساء كثير يشتكين من أزواجهن .. ليس أولئك بخياركم»!!
وقال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ «لا يضرب أحدكم امرأته كالعير يجلدها أول النهار. ثم يضاجعها آخره» (١).
وقال : «خيركم خيركم لأهله. وأنا خيركم لأهلي» (٢) ..
ومثل هذه النصوص والتوجيهات ؛ والملابسات التي أحاطت بها ؛ ترسم صورة لصراع الرواسب الجاهلية مع توجيهات المنهج الإسلامي ، في المجتمع المسلم ، في هذا المجال. وهي تشبه صورة الصراع بين هذه الرواسب وهذه التوجيهات في شتى مجالات الحياة الأخرى. قبل أن تستقر الأوضاع الإسلامية الجديدة ، وتعمق جذورها الشعورية في أعماق الضمير المسلم في المجتمع الإسلامي ..
وعلى أية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حد تقف عنده ـ متى تحققت الغاية ـ عند مرحلة من مراحل هذه الإجراءات. فلا تتجاوز إلى ما وراءها :
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) ..
فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة. مما يدل على أن الغاية ـ غاية الطاعة ـ هي المقصودة. وهي طاعة الاستجابة لا طاعة الإرغام. فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة ، قاعدة الجماعة.
__________________
(١) عن أبي هريرة. ذكره صاحب مصابيح السنة في الصحاح.
(٢) رواه الترمذي والطبراني.