الحالة بالذات ، يتجه اتجاها معينا لهدف معين. هو علاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل وتستعلن.
ولكن العظة قد لا تنفع. لأن هناك هوى غالبا ، أو انفعالا جامحا ، أو استعلاء بجمال. أو بمال. أو بمركز عائلي .. أو بأي قيمة من القيم. تنسي الزوجة أنها شريكة في مؤسسة ، وليست ندا في صراع أو مجال افتخار! .. هنا يجيء الإجراء الثاني .. حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تدل به المرأة من جمال وجاذبية أو قيم أخرى ، ترفع بها ذاتها عن ذاته ، أو عن مكان الشريك في مؤسسة عليها قوامة.
(وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) ..
والمضجع موضع الإغراء والجاذبية ، التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها. فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء ، فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها التي تعتز بها. وكانت ـ في الغالب ـ أميل إلى التراجع والملاينة ، أمام هذا الصمود من رجلها ، وأمام بروز خاصية قوة الإرادة والشخصية فيه ، في أحرج مواضعها! .. على أن هناك أدبا معينا في هذا الإجراء .. إجراء الهجر في المضاجع .. وهو ألا يكون هجرا ظاهرا في غير مكان خلوة الزوجين .. لا يكون هجرا أمام الأطفال ، يورث نفوسهم شرا وفسادا .. ولا هجرا أمام الغرباء يذل الزوجة أو يستثير كرامتها ، فتزداد نشوزا. فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة ؛ ولا إفساد الأطفال! .. وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء ..
ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك .. فهل تترك المؤسسة تتحطم؟ إن هناك إجراء ـ ولو أنه أعنف ـ ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز :
«واضربوهن» ..
واستصحاب المعاني السابقة كلها ؛ واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيبا للانتقام والتشفي. ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير. ويمنع أن يكون أيضا للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها .. ويحدد أن يكون ضرب تأديب ، مصحوب بعاطفة المؤدب المربي ؛ كما يزاوله الأب مع أبنائه وكما يزاوله المربي مع تلميذه ..
ومعروف ـ بالضرورة ـ أن هذه الإجراءات كلها لا موضع لها في حالة الوفاق بين الشريكين في المؤسسة الخطيرة. وإنما هي لمواجهة خطر الفساد والتصدع. فهي لا تكون إلا وهناك انحراف ما هو الذي تعالجه هذه الإجراءات ..
وحين لا تجدي الموعظة ، ولا يجدي الهجر في المضاجع .. لا بد أن يكون هذا الانحراف من نوع آخر ، ومن مستوى آخر ، لا تجدي فيه الوسائل الأخرى .. وقد تجدي فيه هذه الوسيلة!
وشواهد الواقع ، والملاحظات النفسية ، على بعض أنواع الانحراف ، تقول : إن هذه الوسيلة تكون أنسب الوسائل لإشباع انحراف نفسي معين ، وطصلاح سلوك صاحبه .. وإرضائه .. في الوقت ذاته!
على أنه من غير أن يكون هناك هذا الانحراف المرضي ، الذي يعينه علم النفس التحليلي بالاسم ؛ إذ نحن لا نأخذ تقريرات علم النفس مسلمات «علمية» ، فهو لم يصبح بعد «علما» بالمعنى العلمي ، كما يقول الدكتور «ألكسيس كاريل» ، فربما كان من النساء من لا تحس قوة الرجل الذي تحب نفسها أن تجعله قيما وترضى به زوجا ، إلا حين يقهرها عضليا! وليست هذه طبيعة كل امرأة. ولكن هذا الصنف من النساء موجود. وهو الذي قد يحتاج إلى هذه المرحلة الأخيرة .. ليستقيم. ويبقي على المؤسسة الخطيرة .. في سلم وطمأنينة!