وعندئذ تتهاوى كل أعذار المهزومين والمهزومات من المسلمين والمسلمات. أمام ضغط المجتمع المنحرف. وتبرز حدود ما تحفظه الصالحات بالغيب : (بِما حَفِظَ اللهُ) مع القنوت الطائع الراضي الودود ..
فأما غير الصالحات .. فهن الناشزات. (من الوقوف على النشز وهو المرتفع البارز من الأرض) وهي صورة حسية للتعبير عن حالة نفسية. فالناشز تبرز وتستعلي بالعصيان والتمرد ..
والمنهج الإسلامي لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل ، وتعلن راية العصيان ؛ وتسقط مهابة القوامة ؛ وتنقسم المؤسسة إلى معسكرين .. فالعلاج حين ينتهي الأمر إلى هذا الوضع قلما يجدي. ولا بد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله. لأن مآله إلى فساد في هذه المنظمة الخطيرة ، لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة ، ولا تصلح معه تربية ولا إعداد للناشئين في المحضن الخطير. ومآله بعد ذلك إلى تصدع وانهيار ودمار للمؤسسة كلها ؛ وتشرد للناشئين فيها ؛ أو تربيتهم بين عوامل هدامة مفضية إلى الأمراض النفسية والعصبية والبدنية ... وإلى الشذوذ ..
فالأمر إذن خطير. ولا بد من المبادرة باتخاذ الإجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز منذ أن تلوح من بعيد .. وفي سبيل صيانة المؤسسة من الفساد ، أو من الدمار ، أبيح للمسئول الأول عنها أن يزاول بعض أنواع التأديب المصلحة في حالات كثيرة .. لا للانتقام ، ولا للإهانة ، ولا للتعذيب .. ولكن للإصلاح ورأب الصدع في هذه المرحلة المبكرة من النشوز :
(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ، فَعِظُوهُنَّ. وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ. وَاضْرِبُوهُنَّ. فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً. إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) ..
واستحضار ما سبق لنا بيانه من تكريم الله للإنسان بشطريه. ومن حقوق للمرأة نابعة من صفتها الإنسانية .. ومن احتفاظ للمرأة المسلمة بشخصيتها المدنية بكامل حقوقها .. بالإضافة إلى أن قوامة الرجل عليها لا تفقدها حقها في اختيار شريك حياتها ؛ والتصرف في أمر نفسها والتصرف في أمر مالها ... إلى آخر هذه المقومات البارزة في المنهج الإسلامي ..
استحضار هذا الذي سبق كله ؛ واستحضار ما قيل عن أهمية مؤسسة الأسرة كذلك .. يجعلنا نفهم بوضوح ـ حين لا تنحرف القلوب بالهوى والرءوس بالكبر! ـ لما ذا شرعت هذه الإجراءات التأديبية أولا. والصورة التي يجب أن تؤدى بها ثانيا ..
إنها شرعت كإجراء وقائي ـ عند خوف النشوز ـ للمبادرة بإصلاح النفوس والأوضاع ، لا لزيادة إفساد القلوب ، وملئها بالبغض والحنق ، أو بالمذلة والرضوخ الكظيم!
إنها .. أبدا .. ليست معركة بين الرجل والمرأة. يراد لها بهذه الإجراءات تحطيم رأس المرأة حين تهم بالنشوز ؛ وردها إلى السلسلة كالكلب المسجور!
إن هذا قطعا .. ليس هو الإسلام .. إنما هو تقاليد بيئية في بعض الأزمان. نشأت مع هوان «الإنسان» كله. لا هوان شطر منه بعينه .. فأما حين يكون هو الإسلام ، فالأمر مختلف جدا في الشكل والصورة. وفي الهدف والغاية ..
(وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) ..
هذا هو الإجراء الأول .. الموعظة .. وهذا هو أول واجبات القيم ورب الأسرة. عمل تهذيبي. مطلوب منه في كل حالة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً ، وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) .. ولكنه في هذه