ضعيف الشخصية ، بحيث تبرز عليه شخصية الأم وتسيطر. وإما لأنه مفقود : لوفاته ـ أو لعدم وجود أب شرعي! ـ قلما ينشأون أسوياء. وقل ألا ينحرفوا إلى شذوذ ما ، في تكوينهم العصبي والنفسي ، وفي سلوكهم العملي والخلقي ..
فهذه كلها بعض الدلائل ، التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها ، ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان ، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها!
ولا نستطيع أن نستطرد أكثر من هذا ـ في سياق الظلال ـ عن قوامة الرجال ومقوماتها ومبرراتها ، وضرورتها وفطريتها كذلك .. ولكن ينبغي أن نقول : إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني ؛ ولا إلغاء وضعها «المدني» ـ كما بينا ذلك من قبل ـ وإنما هي وظيفة ـ داخل كيان الأسرة ـ لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة ، وصيانتها وحمايتها. ووجود القيم في مؤسسة ما ، لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها ، والعاملين في وظائفها. فقد حدد الإسلام في مواضع أخرى صفة قوامة الرجل وما يصاحبها من عطف ورعاية ، وصيانة وحماية ، وتكاليف في نفسه وماله ، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله (١).
* * *
وبعد بيان واجب الرجل وحقه والتزاماته وتكاليفه في القوامة ، يجيء بيان طبيعة المرأة المؤمنة الصالحة وسلوكها وتصرفها الإيماني في محيط الأسرة :
(فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ ، حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللهُ) ..
فمن طبيعة المؤمنة الصالحة ، ومن صفتها الملازمة لها ، بحكم إيمانها وصلاحها ، أن تكون .. قانتة .. مطيعة. والقنوت : الطاعة عن إرادة وتوجه ورغبة ومحبة ، لا عن قسر وإرغام وتفلت ومعاظلة! ومن ثم قال : قانتات. ولم يقل طائعات. لأن مدلول اللفظ الأول نفسي ، وظلاله رخية ندية .. وهذا هو الذي يليق بالسكن والمودة والستر والصيانة بين شطري النفس الواحدة. في المحضن الذي يرعى الناشئة ، ويطبعهم بجوه وأنفاسه وظلاله وإيقاعاته!
ومن طبيعة المؤمنة الصالحة ، ومن صفتها الملازمة لها ، بحكم إيمانها وصلاحها كذلك ، أن تكون حافظة لحرمة الرباط المقدس بينها وبين زوجها في غيبته ـ وبالأولى في حضوره ـ فلا تبيح من نفسها في نظرة أو نبرة ـ بله العرض والحرمة ـ ما لا يباح إلا له هو ـ بحكم أنه الشطر الآخر للنفس الواحدة.
وما لا يباح ، لا تقرره هي ، ولا يقرره هو : إنما يقرره الله سبحانه : (بِما حَفِظَ اللهُ) ..
فليس الأمر أمر رضاء الزوج عن أن تبيح زوجته من نفسها ـ في غيبته أو في حضوره ـ ما لا يغضب هو له. أو ما يمليه عليه وعليها المجتمع! إذا انحرف المجتمع عن منهج الله ..
إن هنالك حكما واحدا في حدود هذا الحفظ ؛ فعليها أن تحفظ نفسها (بِما حَفِظَ اللهُ) .. والتعبير القرآني لا يقول هذا بصيغة الأمر. بل بما هو أعمق وأشد توكيدا من الأمر. إنه يقول : إن هذا الحفظ بما حفظ الله ، هو من طبيعة الصالحات ، ومن مقتضى صلاحهن!
__________________
(١) ولزيادة الإيضاح في جميع المسائل التي تناولتها هذه الفقرة من الموضوع يراجع : فصل : «المرأة وعلاقات الجنسين» في كتاب : «الإسلام ومشكلات الحضارة» ، وكتاب «الحجاب» وكتاب «تفسير سورة النور» للأستاذ المودودي. وكتاب «الأسرة والمجتمع» ، وكتاب «حقوق الإنسان» للدكتور علي عبد الواحد وافي. وكتاب «الإنسان بين المادية والإسلام» لمحمد قطب ... «دار الشروق».