فيلزم منه تخلف المعلول عن علته التامة ، فلا مناص إلّا بالقول (١) يكون سبب حدوث التعلق حادثا فينقل الكلام اليه ويلزم التسلسل. مضافا الى انه يلزم منه كون ذاته المقدسة جلت وعظمت محلا لحوادث لا تتناهى ، لأن تلك الأسباب والعلل المتسلسلة الذاهبة الى غير النهاية ان كانت خارجة عن ذاته الكريمة تعالت كانت من العالم ، فيلزم قدم العالم كما لا يخفى ، فلا بد وان تكون غير خارجة عن ذاته فيلزم ما ذكرنا. فظهر بطلان ما ذكره العضدى في الجواب.
والجواب التحقيقي يحتاج الى بيان حدوث العالم بشراشره وجمته ورمته وكله واجزائه وكليه وفرده وبيان كيفية ربط الحادث بالقديم ، وليس هنا موضع ذكره ، وهذا المقدار ايضا خروج عن هذا الفن ، إلّا ان الخصم ـ وهو المعتزلة ـ لما تشبعوا في انكار لزوم قيام المبدأ بذي المبدأ بذيل هذه المطالب العقلية فلم يكن لنا مناص عن التعرض لها ، ولو ذكرنا الجواب التحقيقي لصعب على الخصم دركه ، اذ هو عزيز المنال وبعيد الدرك ، فالذي ينبغي ان يقال لهم هو الجواب المعارض فنقول :
إما ان يتحقق ويحصل منه تعالى شىء بسببه تحقق الخلق بمعنى المخلوق اولا ، فعلى الثاني يلزم ان يكون الممكن متحققا بلا شيء من جانب الواجب تعالى ، والحال ان المتساويين ما لم يترجح احدهما بمنفصل لم يقع ، وكيف يعقل ان يخرج عن السواسية واستواء الطرفين ولا ضرورة الجانبين الى احدهما بلا مرجح ، وهل هو الا ترجح بلا مرجح؟ ومعلوم ان ذات الفاعل لا يكفي للايجاد على الأول ، فان كان ذلك الشىء ايضا مثل هذا المخلوق فيكون حاله حاله فيتسلسل ، فلا بد وان ينتهي الى شىء لا يكون مخلوقا بل خلقا ولا مصنوعا بل صنعا ولا موجدا بل ايجادا ولا اثرا بل
__________________
(١) هذا هو الشق الثاني من الترديد في قولنا اولا يكفي.