في المسألة إلا قولان الامتناع والامكان ، إلا أن يقال : لما كان الامكان الوقوعي شاملا للواجب الوقوع وللممكن الباقي على صرافة امكانه وسذاجة ذاته يجوز أن يراد به أحد فرديه ويقابل بالفرد الآخر ، وهو الوجوب. ولا يخفى ما فيه.
ولا يمكن أن يكون المراد بالامكان الامكان الغيري ، بقرينة أن المراد من الوجوب والامتناع الغيريان ، كما هو واضح وسيظهر بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى. لأن الامكان الغيري محال ممتنع ، لأن الشيء الذي يصير ممكنا بالغير فلا محالة يكون على وجه الانفصال الحقيقي والتعاند الذاتي إما ممكنا او واجبا أو ممتنعا بالذات ، فعلى الاول يكون اعتبار الغير لغوا وعلى الأخيرين يلزم الانقلاب ، فبقي أن يكون المراد بالامكان الامكان الذاتي وبالوجوب والامتناع الغيريان ، ويكون وجه المقابلة ـ مع انه لا يقابلهما كما في التجريد ، قال : ومعروض ما بالغير منهما ممكن ـ هو أن القائل بالوجوب لما قال بالوجوب الغيري الجائي من قبل المصلحة المقتضية للوضع وانه لو لم تراع لزم الاخلال بالمصلحة ، والقائل بالامتناع قال بالامتناع الجائي من قبل الاخلال بمصلحة التفهيم ، فأنكر القائل بالامكان هذين الوجوب والامتناع الجائيين من قبل ما ذكراه ، ولم ينكر الوجوب الجائي من قبل شيء آخر.
وبالحقيقة لما كان القائل بالامكان قائلا بالوقوع ـ ومعلوم ان الشيء ما لم يجب لم يوجد ، بمعنى ان الممكن ما لم يسد جميع أنحاء عدمه ولم ينسد ثغور أعدامه بوجدان المقتضى والشروط وفقدان الموانع لم يوجد ولا يكفيه الأولوية الذاتية والغيرية كافية كانت أو غير كافية ، اذ ما لم يبلغ الى حد الوجوب لا ينقطع السؤال بأنه لم وجد؟ وهذا الوجوب هو الضرورة السابقة