تفويت الواقع من دون جهة ـ ان نقول إن انسداد باب العلم ـ كما انه قد يكون عقليا ـ كذلك قد يكون شرعيا ، بمعنى أنه وإن أمكن للمكلف تحصيل الواقعيات على وجه التفصيل ، لكن يرى الشارع العالم بالواقعيات أن في التزامه بتحصيل اليقين مفسدة ، فيجب بمقتضى الحكمة دفع هذا الالتزام عنه ، ثم بعد دفعه عنه ، لو أحاله إلى نفسه ، يعمل بكل ظن فعلى من أي سبب حصل ، فلو رأى الشارع ـ بعد أن آل امر المكلف إلى العمل بالظن ـ أن سلوك بعض الطرق اقرب إلى الواقع من بعض آخر ، فلا محذور في إرشاده إليه. فحينئذ نقول اما اجتماع الضدين فغير لازم (٢٤) ، لأنه مبنى على كون الأوامر الطريقية حكما مولويا. واما الإلقاء في المفسدة وتفويت المصلحة ، فليس بمحذور ، بعد ما دار امر المكلف بينه وبين الوقوع في مفسدة أعظم.
الوجه الثالث ان يقال ان بطلان ذلك مبنى على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي ، لأن المورد من مصاديق ذلك العنوان ، فان الأمر تعلق بعنوان العمل بقول العادل مثلا ، والنهي تعلق بعنوان آخر مثل
______________________________________________________
(٢٤) لكن يرد عليه : ان الأوامر الطريقية وان لم تكن باحكام ، لكنها مع إرشاديتها تستلزم الترخيص في ترك المطلوب الفعلي ، والاذن في إتيان المبغوض الواقعي. ولا يصح ذلك الا مع الالتزام بما التزمنا به من دخل حال التجرد عن الشك في الحكم الواقعي ، وإلّا عادت المحذورات السابقة ، كما لا يمكن حفظ فعلية الواقع مع الترخيص بالحرج ، بل قد يقال بأنه لا يمكن التصديق بذلك الإرشاد ، لأنه من علم بفعلية الحكم ـ على أيّ تقدير ، وظن وجوده في بعض أطراف العلم ـ كيف يصدق الإرشاد بإتيان الطرف الآخر ، مع كونه مظنون العدم عنده ، فان كان ولا بدّ ، فلا بد من الالتزام بدخل الشارع بعنوان الشارعية حتى ينحل العلم. وأما بعنوان الطريقية المحضة فلا يستقيم إلا بما قلنا : من دخل حالة التجرد فتدبّر جيدا.