الوجه الثاني ما أفاده طاب ثراه أيضا ، وهو أن الأوامر الظاهرية ليست بأوامر حقيقية ، بل هي إرشاد إلى ما هو اقرب إلى الواقعيات. وتوضيح ذلك ـ على نحو يصح في صورة انفتاح باب العلم ، ولا يستلزم
______________________________________________________
الحكم الظاهري بلا مصلحة لا في ذاته ولا في جعله ، ومع المصلحة فيه فيشبه هذا التقريب كلام شيخ الطائفة من ان كوننا ظانّين بصدق الراوي صفة من صفاتنا ، غاية الأمر ان المصلحة في الجعل لا في المجعول.
لأنه يقال : نعم إذا طرأت على نفس الفعل جهة ذات مصلحة أقوى أو مساوية مع الواقع ، فلا إشكال في الكسر والانكسار. وانما الكلام فيما إذا كانت بشيء خارج عن ذات الفعل ، كما في الضدين مثلا ، ولو كان أحدهما أهم ، فان أهميته لا تنافي فعلية المهم بالمعنى الّذي ذكرنا : من عدم المانع من قبل المولى في مطلوبيته ، فمصلحة الجعل من قبيل أحد الضدين ، وان كان أقوى بمراتب من الواقع ، لكن مع ذلك لا تنافي فعلية الواقع على ما هو عليه.
والحاصل : ان اللطف يقتضي الجعل للجاهل والغافل على طبق مصلحة الواقع ، بل وللعاصي مع العلم بعصيانه ، لأن درك المصلحة ليس علة للجعل حتى ينتفي الجعل بانتفائه ، وليست المصلحة متعلقة للإرادة ، حتى يلزم تخلّف المراد عنها ، بل نفس الجعل مطابقا للمصلحة لطف ، وكذلك قد تكون المصلحة في الجعل بخلافه أهم من إحراز الواقع ، خصوصا فيما يتوقف إحرازه بجعل الاحتياط ، حيث يمكن أن يكون المحذور فيه أشدّ من محذور ترك الواقع.
هذا كله حال الجهل بالواقع ، وأما العلم فلا يمكن دخل تجرّده في الحكم الواقعي وان كان في اختلاف الرتبة مع الواقع نظير الشك ، وذلك ، لأن حال الشك في الواقع حال لم يؤثر فيه الواقع ، فلا مانع للجعل بخلافه ، بخلاف حال العلم ، فان معنى التكليف ان يكون مؤثرا بعد العلم ورفع العذر ، فالتقييد بعدمه يستلزم نفي اسم التكليف عنه. ولا فرق في ذلك بين التفصيليّ والإجمالي بالنسبة إلى المخالفة القطعية ، واما الاحتمالية فسيجيء الكلام فيها في الاشتغال ـ إن شاء الله تعالى ـ وان مرت الإشارة إليها إجمالا في بعض المباحث السابقة.