ومن هنا يظهر أنه لو كانت النسبة بين المتعارضين عموما مطلقا ، بعد تخصيص أحدهما بخاص ، يعامل مع ذلك العام المخصص ومقابله معاملة العام والخاصّ المطلق ، (١٥٣) وان كان بينهما تباين قبل ذلك التخصيص ، كما لورود (أن ثمن العذرة سحت ، وورد أيضا ثمن العذرة لا بأس به ، وورد أيضا ثمن عذرة المأكول اللحم لا بأس به) يجب تخصيص الدليل الأول وإخراج عذرة المأكول اللحم منه ، ثم ملاحظته مع الدليل الثاني أعنى قوله ثمن العذرة لا بأس به. والسر في ذلك انه ليس تعارض المقيد مع المطلق والمطلق الآخر معه على نسق واحد ، فيجب تقييد المطلق بذلك المقيد. وبعد التقييد يصير في حكم المقيد ، فيقيد الإطلاق الآخر به فليتأمل جيدا.
ثم انه في الفرض الأول ـ أعني صورة تعارض العام مع الخصوصات ـ
______________________________________________________
يكون التخصيص قرينة على خروج الفرد من اللب والجد ، لا من الإرادة الاستعمالية ، فيكون ظهور العام في كليهما محفوظا ، فلم يعاملوا مع العام المخصص بالمتصل معاملة الخاصّ.
ويمكن الفرق : بأن أصالة التطابق بين الجد والاستعمال لما لم تجر في العام المخصص بالمتصل ، فلم يكن لإحراز الواقع والإرادة الجدية طريق أصلا ، وان كانت الإرادة الاستعمالية معلومة ، لأن تلك الإرادة المستكشفة من ظهور اللفظ ـ مع القرينة على خلافها لبا ـ غير مؤثرة في شيء عند العقلاء ، بخلاف المخصص بالمنفصل ، فان الظهور مع ذلك الأصل حجة عقلائية ، ويجب العمل عليه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه ، وبعد ورود المخصص الدال على خلاف الأصل المذكور يعمل به ، لكونه أقوى من الأصل المذكور ، فافهم.
(١٥٣) لا يخفى أن تقدّم أحد العامين بعد التخصيص في المثال ، ليس من باب اختلاف ظهوره في الإرادة الاستعمالية ، بل من باب اختلاف أصل التطابق في القوّة والضعف ، بمعنى أن أصل التطابق في الباقي ـ بعد خروج بعض الافراد من العام ـ يصير أقوى من الأصل المذكور في العام الّذي لم يخرج منه شيء ، فتفطّن.