العمومات ، وهل هو الا تأخير البيان عن وقت الحاجة القبيح عقلا؟
قلت قبح ذلك نظير قبح الكذب ، يمكن ان يرفع بالوجوه والاعتبارات ، فقد تقتضي المصلحة إخفاء القرينة على الحكم الواقعي ، كما أنه قد تقتضي عدم بيانه وإيكال الناس إلى العمل بحكم الشك.
وبعبارة أخرى تأخير البيان عن وقت العمل ليس علة تامة للقبح ، كالظلم ، حتى لا يمكن تخلفه عنه ، وإذا لم يكن كذلك فقبحه فعلا منوط بعدم جهة محسنة تقتضي ذلك.
(الرابع) تعيين النص والأظهر ، فيما لو كان التعارض بين متعارضين ، فلا إشكال فيه. وأما إذا كان التعارض بين أزيد منهما ، فقد يشكل الأمر ، من حيث أن ملاحظة علاج التعارض بين اثنين منهما قد توجب انقلاب النسبة مع الآخر ، مثلا لو ورد أكرم العلماء ، وورد أيضا لا تكرم الفساق من العلماء ، وعلمنا من الإجماع ونحوه عدم وجوب إكرام النحويين ، فقد يتخيل ان العام ـ بعلة القطع بخروج النحويين منه ـ يصير بمنزلة قولنا أكرم العلماء الغير النحويين ، والنسبة بينه وبين الخاصّ الآخر ـ أعني لا تكرم الفساق من العلماء ـ تكون عموما من وجه ، وهذا فاسد ، من جهة أن ورود كل من الخاصّين على العام إنما يكون في مرتبة واحدة ، وان كان أحدهما قطعيا والآخر دليلا لفظيا قطعي الاعتبار.
نعم لو كان دليل التخصيص مكتنفا بالكلام ، بحيث انعقد للكلام ظهور واحد ، ودليل التخصيص الآخر منفصلا عنه ، يجب ان تلاحظ نسبة ذلك المخصص المنفصل مع ذلك العام المخصص ، لكن مع كونهما منفصلين لا وجه لملاحظة أحدهما قبل الآخر ، وتخصيص العام به ، ثم ملاحظة الخاصّ الآخر مع العام المخصص. وهذا واضح.
وقال شيخنا الأستاذ دام بقاؤه في وجه عدم انقلاب النسبة أن النسبة إنما هي بملاحظة الظهورات ، وتخصيص العام بمخصص منفصل ـ ولو كان قطعيا ـ لا ينثلم به ظهوره ، وان انثلمت به حجيته انتهى.