القطعي.
فان قلت ترخيص أحد الطرفين وإن لم يكن مدلول الدليل ، إلّا أنه يجب الحكم بالترخيص من جهة العقل ، لأن مقتضى الترخيص في كل منهما موجود بمقتضى عموم الأدلة ، والمانع إنما منع عن الجمع ، فالمقتضي في أحدهما يكون بلا مانع يجب تأثيره بحكم العقل. ونظير هذا يقال فيما إذا تزاحم الغريقان ، ولم يتمكن المكلف من إنقاذهما ، ولم يكن لأحدهما مرجح.
قلت هذا في مثال تزاحم الغريقين صحيح. والوجه فيه أن مقتضى الإنقاذ في أحدهما موجود ، ولا يكون له مانع يقينا ، بخلاف ما نحن فيه ، لأنا نقطع بعدم المانع ، إذ لعل العلم الإجمالي الّذي يقتضى الاحتياط يمنع عن تأثير مقتضى الترخيص مطلقا في نظر الشارع.
اللهم إلا أن يقال بالترخيص في أحدهما ، لا من جهة ما ذكر ، بل من جهة الأخذ بإطلاق دليل الترخيص في كل من الطرفين ، وتقييد كل منهما بمقدار الضرورة. بيان ذلك أن مقتضى عموم الدليل الترخيص في كل من الإناءين المشتبهين مطلقا ، أعني مع ارتكاب الآخر وعدمه ، والمانع العقلي إنما يمنع هذا الإطلاق ، ولا ينافى بقاء الترخيص في كل واحد منهما بشرط عدم ارتكاب الآخر.
فان قلت لازم ذلك أن من لم يرتكب شيئا منهما ، يكون مرخصا في ارتكاب كليهما. وهذا إذن في المخالفة القطعية.
قلت : الأحكام لا تشمل حال وجود متعلقاتها ولا حال عدمها ، (١٣٦)
______________________________________________________
(١٣٦) لا يخفى أن الإطلاق في المقام لا ربط له بإطلاق الحكم وشموله لحال عدم متعلقه ، لأن المقصود إطلاق الحكم وشموله لكل فرد في حال عدم فرد آخر ، وإن كان المقصود أن الحكم المجعول في القضية ـ حيث جعل لجميع الافراد في عرض واحد ـ فلا يمكن شمول كل حكم لحال عدم متعلق الآخر ، لأنه بمنزلة شموله لعدم متعلقه ، فهو انما يتم لو قيل بلزوم اللحاظ في الإطلاق ، حيث يستلزم لحاظ عدم متعلق