وتوضيح ذلك : أنك عرفت في مبحث حجية القطع أن العلم إذا أخذ في الموضوع ، فتارة يعتبر على نحو الطريقية ، وأخرى على نحو الصفتية. والمراد من اعتباره على نحو الطريقية أن المعتبر هو الجامع بينه وبين الطرق المعتبرة ، كما ان المراد من اعتباره على نحو الصفتية ، ملاحظة خصوصيته المختصة به ، دون سائر الطرق ، وهو الكشف التام المانع عن النقيض.
ونقول هنا : إن الشك في مقابل العلم ، أعني كما أن العلم المأخوذ في الموضوع تارة يلحظ على وجه الطريقية ، وأخرى على وجه الصفتية ، كذلك الشك قد يلاحظ بمعنى أنه عدم الطريق ، وقد يلاحظ بمعنى صفة التردد القائمة
______________________________________________________
أو تقوم به البينة (١) فان الحلية في محتمل الأختية ـ رضاعا كان أم نسبا ـ ليس للاستصحاب ، ومع ذلك جعل عليهالسلام غايته أعم من العلم وقيام البينة ، لكن لا يكون ذلك منشأ لورود الأمارات على الأصول ، بل لا ينتج إلّا الحكومة.
بيان ذلك : أن العلم السابق المأخوذ في موضوع الاستصحاب وكذا الّذي جعل غاية له ولسائر الأصول ، لم يؤخذ تمام الموضوع قطعا ، وإنما أخذ جزءا للموضوع ، ويكون نفس الحدوث للمعلوم أيضا دخيلا ، حتى قيل إن الموضوع منحصر به ، من دون دخل للعلم ، وإنما أخذ العلم فيه لإحراز الحدوث ، لكنه خلاف الظاهر ، فان أدلة الاستصحاب ظاهرة في دخل العلم في الموضوع أيضا ، ولو بنحو الطريقية.
وعلى هذا فلو قام الطريق على نقض الحالة السابقة ، فجزء الموضوع محقق بالوجدان ، وهو الطريق ، حيث قلنا بدخل العلم فيه بنحو الطريقية ، بمعنى كون الموضوع جامع الطريق. وأما جزؤه الآخر وهو الواقع ، فلم يتحقق إلّا تعبدا ببركة الطريق. وهذا معنى الحكومة ، حيث أن جزء الموضوع وغاية الاستصحاب أو الأصول ، وإن تحقق وجدانا بقيام الطرق على خلافه ، لكن جزؤه الآخر وهو الواقع غير ثابت إلا بالتعبد ..
__________________
(١) وسائل الشيعة الجزء ١٢ ـ الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٤