المقام الثاني
هل المحل الّذي اعتبر التجاوز عنه في الاخبار ، هو خصوص المحل الّذي جعل للشيء شرعا ، أو يكون أعم من ذلك وما صار محلا للشيء ، بمقتضى العادة الشخصية أو النوعية؟
والّذي يظهر في بادئ النّظر هو الأخير ، دون الأول والثاني. (١١٨) أما الأول فلعدم التقييد في دليل من الأدلة. وأما الثاني ، فلان إضافة المحل إلى الشيء بقول مطلق لا تصح بمجرد تحقق العادة لشخص خاص ، بخلاف ما لو كانت العادة بملاحظة النوع ، مثلا يصح أن يقال : إن محل غسل الطرف الأيسر قبل تخلل فصل معتد به بينه وبين غسل الطرف الأيمن ، لبناء النوع في الغسل الترتيبي على الموالاة بين الغسلات ، بخلاف العادة الشخصية.
______________________________________________________
(١١٨) أقول : أما دقيق النّظر فيقتضى خلافه ، لأن الظاهر من اخبار الباب أن القاعدة المذكورة إما طريق مجعول من قبل الشارع بلحاظ طريقيتها النوعية ، مع قطع النّظر عن الجعل ، وإما حكم تعبدي مجعول للشك ـ لكن بلحاظ هذه الطريقية ـ كما يشعر به التعليل (بأنه حين ما يتوضأ اذكر منه حين ما يشك).
ويدل عليه الاعتبار لمناسبة الحكم والموضوع ، ومعلوم أن اعتبار العادة النوعية ينافي لحاظ تلك الطريقية ، لأن مضى محل المعتاد النوعيّ لا طريقية له للشخص المعتاد على خلاف العادة النوعية أصلا ، حتى الطريقية النوعية ، أترى من نفسك أن النوع لو كانوا بانين على إتيان الصلاتين متعاقبتين ، وأما أنت فعادتك الفصل بينهما ، فهل تكون تلك العادة طريقا لك إذا شككت يوما في إتيانهما متعاقبتين؟ كلا ، فلا بد إما من الالتزام باعتبار المحل الشرعي ، وإما تقييد العادة النوعية بعدم مخالفتها للعادة الشخصية ، وحيث أن اعتبار العادة النوعية ـ مع هذا التقييد خلاف ظاهر الأدلة ، فيتعين المحل الشرعي ، وأما الشخصية فهي التي يرد عليها ما أورده الشيخ (قدسسره) من أن التزام الفقيه به مستلزم لفقه جديد.