جميع أطراف الشبهة التحريمية ـ حاله عند العقل حال من أقدم على المحرم المعلوم تفصيلا ، وأي فرق بين من شرب من إناءين عالما بان أحدهما خمر ، وبين من شرب من إناء واحد عالما بأنه خمر؟ وإنكار كون الأول معصية يرده وجدان كل عاقل. وأما الإقدام على ارتكاب أحد الإناءين مع عدم قصد الآخر أو مع عدمه ، فهو وإن لم يكن في الوضوح كالأول ، لكن مقتضى التأمل عدم جوازه عند العقل أيضا ، لوجود الحجة على التكليف الواقعي المعلوم ، إذ لولاه لجازت المخالفة القطعية. وبعد ثبوت الحجة اشتغلت ذمة المكلف بامتثاله ، فلا يجدى له الا القطع بالبراءة الّذي لا يحصل إلّا بترك الأطراف (١٤). ولكن حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية ليس كحكمه بحرمة المخالفة القطعية ، إذ الثاني حكم تنجيزي لا يقبل ان يرتفع ، لأن المخالفة القطعية حالها حال الظلم ، بل هو من أوضح مصاديقه.
والحاصل ان الاذن في العصيان مما لا يعقل ، ولو كان معقولا لم يكن وجه لمنعه في العلم التفصيلي كما مر ، فلو دل ظاهر دليل على ترخيص المخالفة القطعية ، يجب صرفه عن ظاهره ، بخلاف الموافقة القطعية التي تتحقق بالاحتياط في جميع الأطراف ، فان اذن الشارع ـ في ارتكاب
______________________________________________________
العلم الإجمالي
(١٤) ومن اتحاد مناط وجوب الموافقة القطعية مع حرمة المخالفة القطعية يعلم ان البحث فيه من تبعات ذلك البحث ، ولا يناسب البراءة كما ذكره الشيخ (رحمهالله) نعم البحث في إمكان الترخيص أو وقوعه وعدم إمكانه أو وقوعه يناسب البراءة ، وسيجيء إن شاء الله تعالى.