وأما القضية الملقاة من العقل ، فليست مشتملة على شيء آخر خارج عن الموضوع ، يسمّى ظرفا أو حالا ، وواسطة في ثبوت الحكم ، كما كان في القضية الملقاة من الشرع. فحينئذ متى زال قيد أو جزء عن الموضوع العقلي ، فالباقي موضوع آخر مغاير لما كان أولا ، فلا يفرض الشك في الحكم العقلي مع بقاء موضوعه. ومن هنا يظهر عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستكشف بالعقل أيضا هذه خلاصة ما أفاده قدسسره في المقام :
أقول : وتحقيق الحال أن يقال : إن عدم الإجمال ـ في موضوع حكم العقل ، بمعنى إدراكه وإذعانه الفعلي ـ مسلم لعدم إمكان ان يذعن بحسن شيء أو قبحه ، ولم يتعين عنده موردهما ، فإذا حكم بحسن شيء مركب أو مقيد أو قبحه ، فجميع خصوصيات ذلك الشيء له دخل في حكمه ، بحيث لو زال بعض الخصوصيات وتغير عما كان عليه أولا ، يرتفع حكمه قطعا. ولكن يمكن أن لا يكون لبعض تلك الخصوصيات دخل فيما هو ملاك لحكمه أعني : الحسن والقبح الواقعيين ، بان يعتقد العقل حسن شيء أو قبحه على سبيل الإهمال والإجمال إما بأن يرى ذلك في مركب أو مقيد مثلا ، من دون ان يعلم دخل لخصوصية أو جزء معين في الحسن والقبح ، أو يرى ان المطلق مثلا مقتض للحسن أو القبح ، ولكن يحتمل ان يكون وجوده في خصوصية خاصة رافعا لما يقتضيه المقتضى ، فالقدر المتيقن عند العقل حينئذ هو المقيد بغير القيد المفروض ، مع احتمال أن يكون الملاك في المطلق ، أو بان يعتقد أن الملاك قائم بالمجموع المركب أو المقيد. ولكن يحتمل وجود ملاك آخر في فاقد الجزء أو القيد ، ففي جميع الصور المفروضة ـ إذا تغير موضوعه الأولى بزوال القيد المفروض أو الجزء المفروض ـ يشك في ثبوت الملاك في الباقي.
إذا عرفت هذا فنقول : لا ينبغي الإشكال في عدم جواز استصحاب نفس حكم العقل ، ضرورة عدم تصور الشك في بقائه ، كما لا ينبغي الإشكال في عدم جواز استصحاب ملاك حكمه ، لأن الشك وإن كان متصورا فيه ، لكنه ليس موضوعا لأثر من الآثار الشرعية ، ولكن استصحاب الحكم الشرعي