«قدسسره» أولا.
فنقول : حاصل ما يستفاد من كلامه في وجه منع جريان الاستصحاب هو أن العقل لا يحكم بحكم إلا بعد إحراز موضوعه بقيوده وحدوده ، حتى عدم المانع والرفع. فحينئذ إذا حكم العقل بالحسن أو القبح على موضوع محدود بحدوده ، فما دام ذلك الموضوع على حاله ، لا يعقل الشك في حكمه ، والشك في الحكم إما من جهة القطع بزوال قيد أو جزء من ذلك الموضوع ، واحتمال أن يكون ملاك ذلك الحكم موجودا في المجرد عنهما أيضا ، وإما من جهة الشك في انطباق الموضوع العقلي على امر خارجي ، ولا يمكن الاستصحاب في كل من الصورتين. أما الأولى ، فللقطع بزوال الموضوع. وأما الثانية ، فللشك في بقاء الموضوع. ومن جملة شرائط الاستصحاب إحراز الموضوع.
فان قلت : لو بنينا على إحراز الموضوع في الاستصحاب بالدقة العقلية ، لانسد بابه في الأحكام الشرعية أيضا ، ضرورة عدم إمكان الشك فيها إلا من جهة الشك في الموضوع. ومن المعلوم عدم الإشكال هنا من هذه الجهة ، لأن الميزان نقض اليقين بالشك عرفا ، وهو يقتضى بقاء ما هو الموضوع عندهم.
قلت : الفرق بين المقامين أنه في القضايا الملقاة من الشرع ، يرى العرف موضوعا وحكما وشيئا آخر يكون من حالات الموضوع ، وواسطة في ثبوت الحكم لذلك الموضوع ، وان لم تكن القضية عند العقل الا مركبة من الموضوع والمحمول والنسبة ، وليس هناك شيء آخر يكون ظرفا أو حالا لثبوت الحكم للموضوع. مثلا إذا قال الشارع (الماء نجس إذا تغير) ، فموضوع هذه القضية عند العرف هو الماء ، والتغير واسطة لثبوت النجاسة للماء ، فحينئذ لو شك ـ بعد زوال التغير من قبل نفسه ـ في النجاسة ، من جهة الشك في أن التغير في زمان سبب لنجاسة الماء مطلقا ، ولو زال بعد ذلك ، أو أنه سبب لها حدوثا وبقاء أو من جهة الشك في أنه بعد زوال التغير ، هل قام مقامه ملاك آخر أم لا؟ يصدق أن ما كان موضوعا للنجاسة في الزمن السابق باق بعينه ، والشك في النجاسة شك في بقائها ، فتشمله أدلة الاستصحاب.