لا يقال : كما أن الحلية في بعض الأدلة علقت على التذكية ، كذلك الحرمة في البعض الآخر علقت على الميتة ، فاستصحاب عدم التذكية معارض باستصحاب عدم كونه ميتة ، فيتساقطان فيرجع إلى البراءة.
لأنا نقول : ليست الميتة خصوص ما مات حتف أنفه ، بل هي عبارة عن غير المذكى ، لأن الحيوان ـ إن أزهق روحه مع تحقق أمور اعتبرها الشارع : من التسمية والاستقبال وفري الأوداج الأربعة ونحوها ، فقد حل لحمه ، ومع عدم تلك الأمور كلا أو بعضا ـ يكون شرعا ميتة. وأما المال المردد بين مال الغير ومال نفسه ، فان كان مسبوقا بكونه مال الغير ، فلا شبهة في كونه موردا للاستصحاب ، وان لم تكن له حالة سابقة معلومة ، فيمكن القول بالحرمة فيه ، من جهة أن قولهم عليهمالسلام ـ لا يحل مال إلا من حيث ما أحله الله ـ يدل على أن الحلية معلقة على أمور وجودية اعتبرها الشارع ، فإذا شككنا في تحقق ما هو موجب للحلية يستصحب عدمه ، وكذلك الكلام في مال الغير الّذي نشك في طيب نفس صاحبه ، فان حلية التصرف في المال معلقة على طيب النّفس ، وعند الشك يستصحب عدمه.
هذا تمام الكلام في المسألة الأولى ، وهي الشك في التكليف من الشبهة الحكمية والموضوعية بحسب الأصل العقلي والنقليّ ، وقد قلنا : إن مقتضاهما البراءة ، فلا ينافى ما ذكرنا عدم اعتبارها في مورد تعارض النصين ، لوجوب الرجوع إلى المرجحات هناك لو كانت ، وإلّا فالتخيير كما هو التحقيق ، لأن ما ذكرنا هنا إنما كان مع قطع النّظر عن الاخبار الواردة في علاج الخبرين. فلا تغفل.