والّذي أتعقل من الإنشائيات انها موضوعة لأن تحكى عن حقائق موجودة في النّفس (٦٢) مثلا هيئة افعل موضوعة لتحكي عن حقيقة الإرادة الموجودة في النّفس ، فإذا قال المتكلم (اضرب زيدا) وكان في نفسه مريدا لذلك ، فقد أعطت الهيئة المذكورة معناها. وإذا قال ذلك ، ولم يكن مريدا واقعا ، فالهيئة المذكورة ما استعملت في معناها. نعم بملاحظة حكايتها عن معناها ، ينتزع عنوان آخر لم يكن متحققا قبل ذلك ، وهو عنوان يسمى بالوجوب ، وليس هذا العنوان المتأخر معنى للهيئة ، إذ
______________________________________________________
على تخيله عند منشئه ، وكذلك التعظيم فهو عبارة عن إظهار تأثر النّفس من المعظّم للمعظّم وإفشاء وقعه وعظمته عنده ، ولا بأس باختلاف المظهر وضعا أو طبعا ، مثلا انحناء القامة وانخفاض الرّأس وأمثال ذلك تدل على التعظيم بالطبع ، وبعض الأفعال والأقوال بالوضع ، ولا يختلف في الأزمنة والأمكنة ، وعلى هذا يكون التمليك عبارة عن سلخ الأولوية المذكورة عن نفسه وإعطائها للغير ، فانها قابلة لذلك ، وكذلك التزويج فانه عبارة عن إيجاد الارتباط الواقعي وهكذا.
إذا عرفت ذلك فنقول : ان كان المراد من قصد إيجاد المعنى باللفظ تخيل أمر بلا واقعيّة عند ذكر اللفظ ، فذلك ممكن ، لكنه خلاف الواقع لما عرفت. وان كان المراد قصد إيجاد شيء له واقعية ، فيرد عليه : انه بعد ما لم يكن اللفظ موجدا للمعنى قبل الوضع ، كيف صار بالوضع موجدا؟ مع ان العلية لا بد لها من سنخية كما ثبت في محله ، وما لم يكن لها تلك السنخية لا يمكن جعلها له ، والظاهر أن عدم إمكان جعل ما ليس بعلة علة من الواضحات ومستغن عن الدليل ، وليس شأن اللفظ الا الكشف وإظهار المعنى ، فلو تحقق مفهوم بإظهار معنى أمكن أن يكون اللفظ موجدا لمنشئه وقد تقدم تفصيل ذلك عند تحقق الوضع فراجع ، وإلّا فلا يمكن جعل شيء بمجرد أداء لفظ بلا معنى ومحكي.
(٦٢) بيان ذلك يحتاج إلى مقدمتين ، (الأولى) : ما مرّ تفصيله من عدم إمكان جعل ما ليس علة ذاتا علة لشيء. ولا نعيده